لـم يؤمن بني إسرائيل بموسى (ع)، حيث كانت الوثنية قد تأصلت في قلوبهم بسبب ملازمتهم الطويلة للفراعنة، ومن مظاهرها عبادة العجل التي استغلها رجل عرف بالسامري، وادّعى أنَّه إله بني إسرائيل وإله موسى(ع) الذي كان قد نسيه، وذهب لملاقاته في هذه الغيبة الطويلة، فتصدّى لهم هارون، وكان موسى(ع) قد خلّفه فيهم، وأفهمهم أنَّ السامري قد فتنهم عن دينهم، ولكنَّهم أصروا على عبادته حتّى يعود إليهم موسى (ع)، وأخبر اللّه تعالى موسى(ع) أنَّ القوم قد فتنهم السامري، فعاد إليهم وهو في أشدّ حالات الغضب، لأنَّهم نكثوا بالوعد الإلهي الذي أعطاهم التوراة، واستبدلوا الكفر بالإيمان، فباءوا بغضب من اللّه ﴿ قال فإنّا فتنا قومك من بعدك وأضلّهم السامري * فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال يا قوم ألـم يعدكم ربّكم وعداً حسناً فطال عليكم العهد أم أردتـم أن يحلّ عليكم غضب من ربّكم فأخلفتم موعدي﴾ (طه:86). وعندما سألهم موسى(ع) عن سبب نكثهم ردّوا حالة الإضلال إلى السامري الذي أغراهم بأن يجمعوا ما لديهم من ذهب يرموه في النّار فأخرجه تمثالاً لعجل، وأوهمهم أنَّه الإله الذي ينبغي أن يعبد، وقد جاء في قوله تعالى: ﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكن حملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري * فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى﴾ (طه:87ـ88)
ذهب موسى (ع) بعد ذلك إلى أخيه هارون وعنّفه على عدم اللحاق به عندما رأى القوم قد فتنوا ومالوا إلى عبادة العجل فقال هارون لأخيه موسى ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولـم ترقب قولي﴾ (طه:94)، فردّ هارون أن بقاءه بينهم كان خشية أن تقع الفرقة في صفوف بني إسرائيل، وبالتالي لـم يكن لديه أمراً بتركهم بل البقاء معهم حتّى يعود، وهو قد جهد لكي لا يفتنهم السامري ﴿ قالوا لن نبرح عليه حتّى يرجع إلينا موسى * فقال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا * لا تتبعن فعصيت أمري﴾ (طه:91ـ93).
ثُمَّ أقبل باللوم الشديد على السامري الذي تسبب في إضلالهم، ولكن برّر له أنَّ ما قام به كان نتيجة لحمله بعض المعتقدات التي ورثها من قبل، وإن كان قد أخذ شيئاً من دين موسى، فإنَّ نفسه سوّلت له أن يقوم بعمله هذا، فعاقبه موسى (ع) بأمر من اللّه إذا مسّ أحد تألـم فابتلاه بقول (لا مساس) إذا ما شعر أنَّ أحداً من النّاس يمسّه، ثُمَّ ذهب إلى العجل وأحرقه، وندم بنو إسرائيل على ذلتهم واستغفروا ربّهم، فأوحى اللّه لموسى (ع) أنَّ توبتهم لا تكون إلاَّ بقتل أنفسهم، أي بتجريد أنفسهم من الشهوات وتطهيرها من الشرور والآثام، فاختار موسى فريقاً من قومه كي يقدّموا الطاعة للّه والندم على ما اقترفوه من إثـمٍ أثناء غيابه فأخذتهم الصاعقة وراحوا يتساقطون على الأرض صرعى ثُمَّ بعثهم اللّه من بعد موتهم بعد أن تضرع موسى(ع) للّه وطلب العفو عمّا صدر من سفهائهم وكلّ ذلك راجعٌ لمشيئة اللّه.
لـم يأل موسى(ع) جهداً في إصلاح قومه، وأمام حالة الإصرار والعناد هدّدهم بأنَّهم إذا ما استمروا في عنادهم بأن يرفع جبل الطور فوقهم، فخافوا وظنّوا أنَّ الجبل يهوي فوق رؤوسهم فتضرعوا إلى اللّه، فأمرهم أن يأخذوا الكتاب بقوّة، لعلّهم يتّقون، ولكنَّهم تولوا بعد انزياح الجبل عنهم، وما حسبوا أنفسهم من الأخسرين أعمالاً لولا فضل اللّه ورحمته ﴿ وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوّة واذكروا ما فيه لعلّكم تتقون * ثُمَّ توليتم من بعد فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين﴾ (البقرة:63ـ64).
[center]