نحمد الله رب العالمين، ونصلي ونسلم على أشرفِ المرسلين؛ سيدنا محمد النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
إنَّ المتأمِّل لما يجري على الساحة العالمية الآن يجد نمَطًا من التعامل اللا إنساني يقوم على نفْي الآخر، وانتهاك حقوقه، واستباحة حرماته، دون النَّظر لاعتبارات الانتماء الإنساني، التي تجمَع بين البشر على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، فنرى الآن قوةً واحدةً تسعى إلى السيطرة والهيمنة على العالم، وتحاول أنْ تفرض عليه أجندتَها وثقافتَها بل وقيمَها، دون اعتبارٍ لسُنن الاختلاف وطبيعة التبايُن التي وضعها الخالق عزَّ وجل في خلقه، وجعلها سمةً بين الأمم والشعوب لتحقيق عنصر التَّكامُل والتَّعارُف والتعاون فيما بينها؛ لما فيه خيرها جميعًا.. قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود: 118-119) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: من الآية 13).
إن الولايات المتحدة والحلف الصهيوني- الغربي الذي تقوده يعتمدون في الغالبِ الأعمِّ استخدامَ لغة واحدة، هي لغة العنف والدماء والدمار، مع عدم طرْح خيار الحوار لعلاج أية مشكلة أو لحل أيِّ خلافاتٍ ولو حتى على سبيل إبراء الذِّمَّة والضمير أمام الرأي العام الإنساني.
وكما هي العادة نجد قوى الاستكبار العالمي تقِف إلى جوار قوى الاستبداد الدَّاخلي في الكثير من بلدانِ عالمنا العربي والإسلامي؛ حيث السُّلوك الفاسد ذاته، القائم على الإكراه والجبْر ونفي الآخر وغلقِ كلِّ أبواب الحوار معه.
وفي حقيقة الأمر فإنَّ هذا "الهروب من الحوار" لا يدل على القوة كما يتصوَّر البعض، بل يدلُّ على الضَّعف والإفلاس الفكري، فالأصل أن يعتمد الإنسان على عقله، والأصل في العلاقات الإنسانيَّة التَّعارُف والحوار، وليس القطيعة والاعتماد على القمعِ والجبر.
فالضعيف المفلس فكريًّا الذي لا يستطيع الانتصار لموقفه ومبدئه، أو تحقيق مصالحه عن طريق الحوار والإقناع والعقل، يلجأ للقوة الغاشمة والقهر لتحقيق أهدافه وفرض أجندته.