الشيخ ايمن عويضة عضو مشارك
تاريخ الميلاد : 24/10/1981 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 31/07/2008
| موضوع: الاعمال بالنيات الخميس 28 أغسطس - 11:09 | |
| قوله : ( إنماالأعمال بالنيا ت ) كذا أورد هنا , وهو من مقابلة الجمع بالجمع , أي كل عمل بنيته . وقال الخوبي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده . ووقع في معظم الروايات بإفراد النية , ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها . بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ; ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له . ووقعت في صحيح ابن حبان بلفظ " الأعمال بالنيات " بحذف " إنما " وجمع الأعمال والنيات , وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي ووصله في مسنده كذلك , وأنكره أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره , وهو متعقب برواية ابن حبان , بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ " الأعمال بالنية " , وكذا في العتق من رواية الثوري , وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد , ووقع عنده في النكاح بلفظ " العمل بالنية " بإفراد كل منهما . والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور , وفي بعض اللغات بتخفيفها . قال الكرماني قوله " إنما الأعمال بالنيات " هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين , واختلف في وجه إفادته فقيل لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق , وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية , وقيل لأن إنما للحصر , وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم , أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف , أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز ؟ ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنها تفيده بالمنطوق وضعا حقيقيا , بل نقله شيخنا شيخ الإسلام عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي , وعلى العكس من ذلك أهل العربية , واحتج بعضهم بأنها لو كانت للحصر لما حسن إنما قام زيد في جواب هل قام عمرو , أجيب بأنه يصح أنه يقع في مثل هذا الجواب ما قام إلا زيد وهي للحصر اتفاقا , وقيل : لو كانت للحصر لاستوى إنما قام زيد مع ما قام إلا زيد , ولا تردد في أن الثاني أقوى من الأول , وأجيب بأنه لا يلزم من هذه القوة نفي الحصر فقد يكون أحد اللفظين أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع كسوف والسين , وقد وقع استعمال إنما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) وكقوله : ( وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ) وقوله : ( إنما على رسولنا البلاغ المبين ) وقوله : ( ما على الرسول إلا البلاغ ) ومن شواهده قول الأعشى : ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى . واختلفوا : هل هي بسيطة أو مركبة , فرجحوا الأول , وقد يرجح الثاني , ويجاب عما أورد عليه من قولهم إن " إن " للإثبات و " ما " للنفي فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلا : أصلهما كان للإثبات والنفي , لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما بل أفادا شيئا آخر , أشار إلى ذلك الكرماني قال : وأما قول من قال إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدا بعد تأكيد وهو المستفاد من إنما ومن الجمع , فتعقب بأنه من باب إيهام العكس ; لأن قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر . وقال ابن دقيق العيد : استدل على إفادة إنما للحصر بأن ابن عباس استدل على أن الربا لا يكون إلا في النسيئة بحديث " إنما الربا في النسيئة " , وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم ولم يخالفوه في فهمه فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر . وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تنزلا . وأما من قال : يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله " لا ربا إلا في النسيئة " لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور , فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر , بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد , وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه . وأوضح من هذا حديث " إنما الماء من الماء " فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه , وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث " إذا التقى الختانان " وقال ابن عطية : إنما لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع , ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه , فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينة , وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر , لكن قد يكون في شيء مخصوص كقوله تعالى ( إنما الله إله واحد ) فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية , وإلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم والقدرة , وكقوله تعالى ( إنما أنت منذر ) فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة , وإلا فله صلى الله عليه وسلم صفات أخرى كالبشارة , إلى غير ذلك من الأمثلة . وهي - فيما يقال - السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا . ( تكميل ) : الأعمال تقتضي عاملين , والتقدير : الأعمال الصادرة من المكلفين , وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار ؟ الظاهر الإخراج ; لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقة لأنهما بدليل آخر . قوله : ( بالنيات ) الباء للمصاحبة , ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده , وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله . قال النووي : النية القصد , وهي عزيمة القلب . وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد . واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط ؟ والمرجح أن إيجادها ذكرا في أول العمل ركن , واستصحابها حكما بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط . ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور , فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر . قال الطيبي : كلام الشارع محمول على بيان الشرع ; لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان , فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع , فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي . وقال البيضاوي : النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا , والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه . والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر , فإنه تفصيل لما أجمل , والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية , إذ التقدير : لا عمل إلا بالنية , فليس المراد نفي ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية , بل المراد نفي أحكامها كالصحة والكمال , لكن الحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ; ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع , فلما منع الدليل نفي الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة . وقال شيخنا شيخ الإسلام : الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية , لقوله في الحديث " فمن كانت هجرته " إلى آخره . وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقا من اسم فاعل أو فعل . ثم لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال . قال ابن دقيق العيد : وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد , ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها . وأما التروك فهي وإن كانت فعل كف لكن لا يطلق عليها لفظ العمل . وقد تعقب على من يسمي القول عملا لكونه عمل اللسان , بأن من حلف لا يعمل عملا فقال قولا لا يحنث . وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف , والقول لا يسمى عملا في العرف ولهذا يعطف عليه . والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا , وكذا الفعل , لقوله تعالى ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) بعد قوله : ( زخرف القول ) . وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل , والمعرفة : وفي تناولها نظر , قال بعضهم : هو محال لأن النية قصد المنوي , وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة . وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله : إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم , وإن كان المراد النظر في الدليل فلا ; لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره , فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية حينئذ محالا . وقال ابن دقيق العيد : الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال , والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال , ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى . وفي هذا الكلام إيهام أن بعض العلماء لا يرى باشتراط النية , وليس الخلاف بينهم في ذلك إلا في الوسائل , وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها , ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء , وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا . نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما هو معروف في مبسوطات الفقه . ( تكميل ) : الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير , والتقدير الأعمال بنياتها , وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلا صلاة أو غيرها , ومن كونها فرضا أو نفلا , ظهرا مثلا أو عصرا , مقصورة أو غير مقصورة وهل يحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد ؟ فيه بحث . والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين , كالمسافر مثلا ليس له أن يقصر إلا بنية القصر , لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لأن ذلك هو مقتضى القصر والله أعلم .
قوله : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) قال القرطبي : فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال , فجنح إلى أنها مؤكدة , وقال غيره : بل تفيد غير ما أفادته الأولى ; لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها , فيترتب الحكم على ذلك , والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه وقال ابن دقيق العيد : الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئا يحصل له - يعني إذا عمله بشرائطه - أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له . ومراده بقوله " ما لم ينوه " أي لا خصوصا ولا عموما , أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء . ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى . وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها ; لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل , وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح ; لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيم فلا بد فيه من القصد إليه , بخلاف تحية المسجد والله أعلم . وقال النووي : أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا , ولا يخفى أن محله ما إذا لم تنحصر الفائتة . وقال ابن السمعاني في أماليه : أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة , كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة . وقال غيره : أفادت أن النيابة لا تدخل في النية , فإن ذلك هو الأصل , فلا يرد مثل نية الولي عن الصبي ونظائره فإنها على خلاف الأصل . وقال ابن عبد السلام : الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال , والثانية لبيان ما يترتب عليها . وأفاد أن النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها , وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والأدعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة . ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع , أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا , ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثوابا , ومن ثم قال الغزالي : حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب ; لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة , بل هو خير من السكوت مطلقا , أي المجرد عن التفكر . قال : وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب انتهى . ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " في بضع أحدكم صدقة " ثم قال في الجواب عن قولهم " أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر ؟ " : " أرأيت لو وضعها في حرام " . وأورد على إطلاق الغزالي أنه يلزم منه أن المرء يثاب على فعل مباح لأنه خير من فعل الحرام , وليس ذلك مراده . وخص من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فإنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم , وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة فإن عدتها تنقضي ; لأن المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت , ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية . ونازع الكرماني في إطلاق الشيخ محيي الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بأن الترك فعل وهو كف النفس , وبأن التروك إذا أريد بها تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك , وتعقب بأن قوله " الترك فعل " مختلف فيه , ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه . وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد ; لأن المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها ؟ والذي أورده هل يحصل الثواب بدونها ؟ والتفاوت بين المقامين ظاهر . والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه , وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس , فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى , فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه , لا الترك المجرد . والله أعلم . ( تنبيه ) : قال الكرماني : إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي قوله " وإنما لكل امرئ ما نوى " نوعان من الحصر : قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما لكل امرئ ما نواه , والتقديم المذكور .
[b] | |
|