المبحث الثاني
اشتراط الحِلَّ في الإيرادات الإسلامية
يرشد إلى هذا الأساس الأخلاقي - الذي لا مثيل له في النظم الأخرى - آيات قرآنية متعددة, وكذلك الكثير من أحاديثه صلى الله عليه وسلم.
النص المعجز:
قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ٌ) [البقرة : 267].
ويرشد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة الكسب الطيب بقوله: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه, حتى تكون مثل الجبل).
الحقيقة الشرعية المرتبطة بالنص:
يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) وعلماء التفسير على أن قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا) خطاب لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عباس أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه فإن الله طيب لايقبل إلا طيباً ولهذا قال (ولاتيمموا الخبيث) أي تقصدوا الخبيث (منه تنفقون ولستم بآخذيه) أي لو أعطيتموه ما أخذتموه إلا أن تتغاضوا فيه.
وجه الإعجاز:
باستقــراء ما سبق يتضــــح أن الإسلام يؤسس النظام الاقتصادي والاجتماعي على أساس احترام أسس ومبادئ معينة, تشكل في مجملها دستور هذه الأمة ومن ذلك ضرورة أن تكون الإيرادات التي تعتمد عليها الدولة دائماً من مصدر حلال.
إن الإسلام يقيم مجتمعاته على أساس التكافل والتعاون الممثل في فريضة الزكاة وغيرها من الالتزامات المالية التي قررها الإسلام.
إن الدستور الذي يرسمه الإسلام في المجال الاقتصادي وكذلك في غيره من المجالات إنما هو دستور مظلل بظلال حبيبة أليفة, دستور يحترم الآداب النفسية والاجتماعية, والآداب التي تحول الزكاة عملاً تهذيبياً لنفس معطيها, وعملاً نافعاً مربحاً لآخذيها, وتحول المجتمع عن طريقها إلى أسرة يسودها التعاون والتكافل والتواد والتراحم، وترفع البشرية إلى مستوى كريم: المعطي فيه والآخذ على السواء.
يؤسس الإسلام مجتمعاته على أصول ومبادئ تميزه عن غيره من النظم. فالإسلام يقوم على طريقة البناء المتكامل وإرساء الأسس السليمة: عقدية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية.
المشرع الوضعي لا يشترط حِلَّ الإيرادات التي تحصل أو مشروعيتها:
لا يشترط فقهاء المالية العامة في التكاليف التي تخصم أن تكون قد أنفقت في غرض مشروع. ما دمنا لا نتمسك بمشروعية الربح الخاضع للضريبة. فالأرباح الناتجة عن عمليات غير مشروعة تخضع للضريبة سواء أكان مصدرها قانونيا أو غير قانوني.
ففي إنجلترا - مثلاً - تقدر الأرباح من مصادر قانونية أو غير قانونية وسواء أكان مصدرها تجارة أم نشاطاً غير قانوني وتربط الضريبة عليها كالأرباح الناتجة من الرهان. فعندما يحضر شخص اجتماعات السباق والمراهنات بانتظام فهو يمارس مهنة يخضع فيها لضريبة ويسمح بالخصم المعتاد مقابل الخسائر والنفقات.
وفي فرنسا تفرض الضريبة بنصوص صريحة على أنشطة غير أخلاقية مثال ذلك ما نصت عليه المادة 11 من القانون المالي في فرنسا لعام 1976 الصادر في 30 ديسمبر عام 1975 والتي قررت زيادة ضريبة T.V.A على الأفلام الإباحية أو التي تحث على العنف, وكذلك رسوم دخول هذه الأفلام.
الـمبحث الثالـث
التحذير من اصطفاء كرائم الأموال
عند تحصيل الزكاة
النص المعجز:
يرشد إلى هذا الخلق الكريم السنة النبوية المطهرة , وقد جاء ذلك في أكثر من حديث منها:
(عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب, فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله, فإن هم أطاعوك لذلك, فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوك لذلك, فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم, فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك لذلك, فإياك وكرائم أموالهم, واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. رواه الجماعة).