يؤسس الإسلام مجتمعاته على أصول ومبادئ تميزه عن غيره من النظم. فالإسلام يقوم على طريقة البناء المتكامل وإرساء الأسس السليمة: عقدية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية.
وكلها تكون بناء متجانساً متماسكاً يؤدي إلى مساعدة المجتمع أن يحرز أفضل النتائج.
وهذه المنهجية المتكاملة يندر أن توجد في أي نظام آخر.
لقد أرسى الإسلام أخلاقيات عديدة في المجال المالي نكتفي بأن نذكر منها جانباً يقطع بإعجاز هذا المنهج الإلهي في المجال المالي فضلاً عن المجالات الأخرى.
الـمبحث الأول : الأمر بالدعاء لكل مـن يـؤدي حـق الزكاة
نص على هذا الخلق الكريم - الذي يندر أن يوجد في غير النظام الإسلامي - القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
قوله سبحانه وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ) [التوبة: 103].
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللهم صل على آل فلان, فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى).
الحقيقة الشرعية المرتبطة بالنص:
يرتبط بهذه النصوص حقيقة شرعية معجزة في المجال المالي وهي
توجيه محصل الزكاة بالدعاء بالبركة لمن يؤدى حق الزكاة.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: (وصل عليهم ) أصل في فعل كل إمام يأخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق بالبركة).
أما عن حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: (اللهم صل عليهم), فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته , فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى).
قال جماعة من العلماء يدعوا آخذ الصدقة للمتصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث. وأجيب عنه بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه يختلف بحسب المدعو له فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة وصلاة أمته دعاء له بزيادة القربة والزلفى ولذلك كانت لا تليق بغيره, وفيه دليل على أنه يستحب الدعاء عند أخذ الزكاة لمعطيها.
حسن معاملة عامل الصدقة:
كما يأمر الإسلام المصدق (محصل الزكاة) بحسن معاملة الممولين, فإنه يأمر كذلك الممولين بحسن معاملة المصدق. وهكذا يرسم الإسلام علاقة تبادلية رائعة بين الممول وإدارة الزكاة علاقة يتوجها التعاون المتبادل بين الطرفين.
لقد أمر صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة عامل الصدقة حتى يؤدي عمله وينصرف وهو راض , فقال صلى الله عليه وسلم (لا يصدر المصدق عنكم إلا وهو راض).
وجه الإعجاز:
يرسم الإسلام صورة رائعة للعلاقة بين الممول وإدارة تحصيل الزكاة. فيؤمر محصل الزكاة بنصوص صريحة بأن يدعو بالبركة للمتصدق. وكذلك يؤمر الممول بحسن معاملة القائمين على إدارة الزكاة.
وهذه العلاقة الحسنة الطيبة بين عامل الزكاة وبين الممولين دعامة قوية من دعامات نجاح نظام الزكاة كنظام مالي, ومثل هذه العلاقة الحسنة يندر أن توجد بهذه الأخلاقيات في غير الزكاة