إنَّ ما ندعو إليه في هذا المقام لا يخرج عن ثوابت دينِنا الحنيفِ، فالإسلام أكَّد على أنَّ أسس التَّواصُل العالمي لا تتم إلا بالحوار والتَّفاهُم، وعلى أساس احترام الخصوصيَّاتِ والهويَّات، وعلى أساسِ فهمٍ حقيقيٍّ لسنة الاختلاف التي وضعها الله تعالى في خلقه على النَّحوِ الذي توضحه الآية القرآنية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).
إنَّ الإسلام في مجمله عبارةٌ عن تعاليم سماوية، نُزِّلت أساسًا من لدن حكيمٍ عليمٍ؛ لتحقيق مجموعةٍ من الأغراض والغايات، مثل إقامة شريعة الله عزَّ وجلَّ، وعبادته سبحانه، والتَّعارُف، وكلُّ ذلك لم ولن يتم إلا بالحوار.. والحوار وحده، فرسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- لم يدعُ إلى الإسلام إلا بالحوار ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125)، والتَّعارُف كسُنَّة كونية لا يكون إلا بالحوار.
حتى إنَّ أدب الإسلام عند الخلاف في الرَّأي لا يكون إلا بالحوار، وهو ما أوضحه القرآن العظيم بشكلٍ لا لبْس فيه في سورة آل عمران: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)﴾.
وإذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- قد طالبه الله عز وجل بأن يستخدم لغة الحوار مع مَن يكذبون بالرسالة، فالأَولى أنْ يكون هذا هو المبدأ الذي يحكم بين البشر في خلافاتهم البينية.
ونختم بتوجيه خطابنا إلى أولئك المقاومين المرابطين في بيت المقدس وأكنافها: أن ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: من الآية200).. إنكم تمثِّلون خط الدفاع الأول عن الأمة في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، ومن ثَمَّ فإن ثباتكم وصمودكم سوف تكون له آثاره وتداعياته، ليس فقط على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، وإنما على مسيرة الصراع العربي الإسلامي- الصهيوني.
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم، والحمد لله رب العالمين