إن الأزمة الراهنة في فلسطين الحبيبة هي أزمةٌ بين إخوةِ دمٍ وعروبة ودين، ورفاقِ سلاحٍ.. رفقةٍ دامت سنوات طويلة منذ بزوغِ فجر المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الصُّهيوني الغاصب، هي في الواقع أزمة تعكس تناقضًا بين مشروعَين، وفي الوقت الذي قام فيه أحد أطراف الأزمة (فتح) بغلقِ باب الحوار مع الطرفِ الآخر(حماس) إذ به يفتح باب الحوار مع الكيانِ الصُّهيوني!! هل يقول أي منصف بذلك؟! هل يرى أيُّ صاحب حسٍّ وطنيٍّ أنْ نتحاور مع الأعداء ونغلق في المقابل كافةَ السُّبل والمنافذ أمام الحوار مع الإخوة ورفاق السِّلاح؟!
مَن يقتل الأطفال الفلسطينيين.. حماس أم آلة الرعب العسكري الصهيوني؟!
من يقتل رموز المقاومة؟!
من يُحاصر الشعب الفلسطيني؟!
من يمنع دخول الدَّواء والغذاء؟!
مَن الذي يُدمِّر الأرض ويحرق الشَّجر ويقطع الأرزاق ويمنع الأقوات؟!.. حماس أم الكيان الصُّهيوني؟!
إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها تكشف عن الكثير من الحقائق التي تقف وراء هذا الموقف المُتعنِّت الذي تتبنَّاه بعض الأطراف الفلسطينيَّة؛ ممَّا يُفاقم كثيرًا من الوضع المتردِّي أساسًا داخل الأراضي الفلسطينية على مختلفِ المستويات الإنسانيَّة والسِّياسيَّة، بفعل ممارسات الكيان الصهيوني وليس بفعل ممارسات حماس!!
|
الإخوان دعوا لإنهاء المواجهات بين فتح وحماس بالحوار |
ومن هنا تبنَّى الإخوان المسلمون موقفَهم من الأزمة الفلسطينيَّة الرَّاهنة على أساس التأكيد على مجموعة من الثوابت، على رأسها وحدة التراب الفلسطيني، وضرورة الحفاظ على سلاح المقاومة، وحرمة الدم الفلسطيني، مع وجود مسارٍ وحيدٍ لحلِّ الأزمة، وهو مسار الحوار الداخلي الذي يضع الأجندة الوطنية الفلسطينية على قمة أولوياته، من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، وتفكيك المستوطنات، وإزالة الجدار العازل، وحق العودة للاجئين، والإفراج عن عشرة آلاف أسير في سجون الاحتلال.
هذا هو الموقف الذي يدعو الإخوان المسلمون إليه كلَّ الشرفاء في العالم العربي والإسلامي، وكلَّ الأحرار في العالم الخارجي إلى تبنِّيه؛ حيث إنَّ مصلحة الشعب الفلسطيني لن تتحقَّق، ولن تستمر القضية الفلسطينية بذات زخمها السابق إلا بإصلاح ذات البَين الفلسطيني، بعيدًا عن مزايدات بعض الأطراف على القضية وعلى خيار المقاومة الفلسطينية، وعلى وطنية الفلسطينيين.. كل الفلسطينيين﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10).
وقبل هؤلاء جميعًا فإنَّ القيادات الفلسطينية مُطالَبةٌ أكثر من غيرها بتبنِّي صيغة الحوار الوطني كحلٍّ وحيدٍ للأزمة الفلسطينية الراهنة، وقطعًا للطريق أمام العدوِّ الصهيوني للعب دور الشيطان في التفرقة بين الإخوة الفلسطينيين.
ولكي يكون الحوار الذي ندعو إليه بين القيادات الفلسطينيَّة فاعلاً فإنَّه ينبغي له أن يقوم على مجموعةٍ من الأسس المتينة، من بينها احترام كل طرف لشرعية الآخر، واحترام خيار إرادة الشعب الفلسطيني، كما عبَّرت عنها صناديق الاقتراع في يناير 2006م، والتَّأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني، واحترام اتفاق مكة، وإقامة حكومة وحدة وطنية لكل الشعب الفلسطيني.
ومن نافلة القول التذكير بضرورة إيقاف حملات الشَّحن السياسي والإعلامي في وسائل الإعلام لإفساح المجال لحوارٍ هادئٍ، بعيدًا عن الشَّدِّ العصبي، وعن ضغط الأجندات الضَّيِّقة لبعض الأشخاص، الذين لا يُمثِّلون إلا أنفسَهم، ولحشد الشارع الفلسطيني للالتفاف حول قياداته، بعيدًا عن حالة الاستقطاب الراهنة التي أدَّت إليها مثل هذه الحملات