قد نُتَّهم نحن- الإخوان المسلمين- بالتَّحيُّزِ للشِّعار الذي نرفعه، ولكن وبعيدًا عن هذا الشِّعار- الرَّمز الذي يُمثِّل قناعاتِنا- فإنَّنا نقول إنَّ الصُّورة السَّوداء التي تعكس مأساة البشرية لن تجدَ لها مخرجًا إلا من خلالِ الإسلام.
إنَّ القواعدَ التي وضعها اللهُ عز وجلَّ في رسالته الخاتمة لعلاج الصراعات وحل المشكلات؛ هي الأجدر من جانب البشريَّة في التَّدبُّر فيها ومحاولة إعمالها.
إنَّ المُتتبِّع للأزمات التي تمر بها الإنسانيَّة في الوقت الراهن يجد أنَّ سبَبَها الرَّئيسي منحصرٌ- على اتساع رقعة الأزمات جغرافيًّا- في أسباب ثلاثة: العُنصريَّة والتَّعصُّب، والاستبداد والقمع، وانهيار منظومة القِيَمِ الإنسانيَّة... هذه الأسباب الثلاثة عالجها الإسلام بأجلى وأوضح ما يكون.
فالعنصرية والتعصُّب حاربهما الإسلام وحذَّر من عواقبهما، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها منتنة" (رواه البخاري)، ويقول أيضًا: "إنَّ الله أذهبَ نخوةَ الجاهليَّةِ وتكبُّرها بآبائها، كلُّكم لآدم وحواء، وإنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم" (أخرجه البيهقي).
وبذلك أكَّد الإسلامُ الحنيف أنَّ الناسَ كلَّهم عائلةٌ واحدة، مهما تعدَّدت أجناسهم وتلوَّنت بشرتهم؛ فأصلهم واحد، وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، وما ينبغي أن يكون عليه المجتمع الإنساني كله.
فالناس سواسيةٌ كأسنانِ المشط، والرسول- صلى الله عليه وسلم- يؤكِّد أنَّه "يا أيُّها النَّاس ألا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكُم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسودَ ولا أسودَ على أحمرَ إلا بالتَّقوى.. أبلغت؟.. قالوا بلَّغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)" (رواه الإمام أحمد بن حنبل في باقي مسند الأنصار).
أمَّا الاستبداد والقمع وانتهاك الحريَّات؛ فقد عالجها الإسلام بشكلٍ لم تبرزه أيَّة نظريَّةٍ إنسانيَّةٍ، فالنَّاس بالنَّصِّ القرآني ﴿أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشُّورى: من الآية 38)، والحوار هو أساسُ العلاقات الإنسانيَّة وأساسُ الدعوة إلى الله تعالى، ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)﴾ (آل عمران)، وقال تعالى أيضًا: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)﴾ (النَّحلِ).
حتى في العقيدة أرجع اللهُ جلَّ وعلا الأمر فيها إلى الإنسان نفسه.. ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾ (البقرة: من الآية 256).
بل إنَّ الإسلام نادى بالدِّيمقراطيَّة من قِبل الغرب بمئاتِ السِّنين، نادى بها عندما قال أبو بكر الصديق للرَّعيَّة: "أطيعوني ما أطعتُ اللهَ ورسولَه، فإنْ عصيت اللهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم"، وعمر بن الخطاب يقبل جدال الإعرابي له في طول ثوبه الذي زاد عن باقي ما حصل عليه المسلمون من الفيء، ويوضح له سبب الزِّيادة، دون أنْ يتعرَّض للأعرابي بأذى أو يُحاسبه حتى على غلظةِ أسلوبه!!
ومن قبل ذلك محمدٌ- صلى الله عليه وسلم- وقف يتقبَّل بسعة صدرٍ اتهام أعرابي له بعدم العدلِ في توزيع الغنائم.
بينما المسلمون كذلك، كانت الكنيسة الرُّومانيَّة ومحاكم التَّفتيش في أوروبا تذبح النَّاس وتنفيهم لمجرد الخلاف في المذهبِ أو في الرَّأي الدِّينيِّ أو السِّياسيِّ!!
أمَّا حِرْص الإسلام على منظومةِ القِيَمِ الإنسانيَّة والأخلاقيَّة فواضحٌ كلَّ الوضوحِ في كلِّ ما جاء به محكم الآيات والأحاديث النبويَّة، بل إنَّ علَّة البعثة المُحمديَّة الأساسيَّة كانت الإصلاح الأخلاقي؛ "إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مكارم الأخلاق"، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) "خُلُقَه القرآن"، وكما وصفته السَّيدة عائشة- رضي الله عنها-: كان "قرآنًا يمشي على قدمَيْن".
حتى الحرب وضع الإسلام قواعدها الأخلاقيَّة؛ فمن وصايا الرسول- صلى الله عليه وسلم- لقوَّاده وقوَّاته ألا يقطعوا شجرة، ولا يقتلوا رجلَ دينٍ أو شيخًا أو طفلاً أو امرأةً أو رجلاً لم يرفع عليهم السِّلاح، وأمرهم بعدمِ هدمِ البيعِ والصوامع.
لقد جاء الإسلام كدينٍ وحضارةٍ شاملَيْن لمحاربة الفساد والاستبداد وإصلاحِ الأخلاق وبناء الإنسانِ والدَّولةِ والمجتمعِ على قواعد أخلاقيَّة سليمة تتطوَّر بها الإنسانيَّة بأسرها؛ بدعوته للقراءة وطلب العلم والتَّحصيل، وعدم العنصريَّة والتَّعصُّب، وبدعوته للابتكار والإبداع، ومواجهة الظُّلمِ أيًّا كان شكله.