الحمد لله حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربنا ويرضى , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العُلى , وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الصدق والوفاء والغيرة والتقى .
أمَّا بعد : فإن أصدق الحديث كتابُ الله وخير الهدي هدي محمدٍ r وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثةٍ بدعة , وكلُّ بدعة ضلالة .
أيُّها المُسلمون :
الحِسبة في الإسلام كانت بنياناً شامخاً في الأمة , وكان لها دورٌ لا يُنكر في حماية الشرع والذَّبِّ عن الدِّين والعرض وإنكار المنكرات. [من حقوق أهل الحسبة للشيخ محمد الدويش].
وبلادنا حماها الله من كل سوء والتي امتازت بهذه الميزة بين البلاد الأخرى لم تبتدع بدعة ليس لها مثال سابق إنما هو إحياء لشعيرة عظيمة كانت موجودة فيما مضى.
أيُّها المسلمون :
إنَّ رجال الحسبة (أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مجتمعنا يقومون بواجب عظيمٍ , فهم ينوبون عن الأمة في إنكار المنكرات العامة , ويبذلون جهوداً عظيمة في دفع الفساد عن مجتمعاتنا , فهُم الجنود المجهولون , يسهرون لحماية أعراض المسلمين , ويجتهدون في كفِّ الفساد والمفسدين , ويعملون أوقاتاً طويلة خارج دوامهم , فللَّه كم من رجلٍ منهم سطع عليه الفجر وهو ساهرٌ على أعراض من لم يتورَّعوا عن الخوض في عِرضه , وكم من مسلمةٍ حصان رزان كاد يدنَّس عِرضها فأدركوها بعد رحمة الله في اللحظات الأخيرة وكم من عائلةٍ شريفة عفيفة حَمُوها من تدنيس السُّمعة وتلطيخ الشرف .
أيُّها الأخُ الكريم :
لماذا تُبيح لنفسك الخوض في أعراض رجال الهيئات , وتتحدث ذامَّاً لهم في كل مجلس ومناسبة ..؟
ألا تعلم أنهم بشر يخطئون ويُصيبون , وصوابهم أكثر , ثم لماذا تتجاهل أخطاء الآخرين من الفئات الأخرى وتركِّز فقط على رجال الحسبة وكأنَّه من شروط العامل في هذا الجهاز أن يكون معصوماً .. ؟
أيُّها الأخُ الكريم :
إياك أن تُخدع بما يُثار في الجرائد من هجومٍ لا مبرِّر له من أناسٍ إما مخدوعين يجهلون دور هذا الجهاز , وإما أناسٌ لهم أغراضٌ سيِّئة .
هل تعلم أن مركزاً واحداً من مراكز الهيئة في بلادنا المباركة قبض على أحد عشر مروِّجاً للمخدرات ليس في سنةٍ ولا في شهرٍ بل في أسبوع واحدٍ فقط.
وأن هذا المركز قبض أيضاً على(88) ثمان وثمانين مصنعاً للخمر في عامٍ واحد .
وهذا المركز قبض أيضاً على عصابة جاءت من خارج البلاد بحجَّة العمرة عدد أفرادها ثلاثة عشر عضواً لممارسة البغاء والفواحش- أعزَّكم الله- وأعضاء هذا المركز ستَّةٌ فقط .
ترى كم ستفعل هذه البغايا في مجتمعنا المحافظ النَّزيه ؟ وما هي الآثار التي سيتركها من يبيعون هذه المخدِّرات وكم عدد الشباب الذين ستسحقهم هذه المخدرات ؟ ثم كم عدد المجرمين الذين منَّ الله عليهم بالهداية رجالاً ونساءً بسبب وعظ هؤلاء المخلصين- كما نحسبهم والله حسيبهم- .
شابٌّ يلاحق فتاةً في الشوارع ويقف ينتظرها عند مشغلٍ تجاري وفجأة تنهمر عيناه بالبكاء ويعلن التَّوبة على يد عضو الهيئة الذي أسمَعَه موعظةً بليغة. [من حقوق أهل الحسبة للدويش].
وهذه امرأةٌ في مجتمع ما- اعتادت الفساد- تبكي وتُعلن توبتها في المركز بعد أن وقف أحد الأعضاء ينصحها ويعظها وهو تحت وابل المطر وقد تجاوبت عيناه مع السماء فهو يبكي فتقول : أدركت فعلاً أنَّه رجلٌ صادق.
هذه نماذج قليلة وغيضٌ من فيض مما يقوم به هؤلاء الذين حظهم من كثير من الناس هو التندُّر بهم في المجالس , ونقل الشائعات ضدهم , وعدم التثبُّت مما يُقال عنهم , وتضخيم الأخطاء وتكبيرها , والزيادة عليها وترديدها .
ويزداد الحزن إذا كان بعض طلاب العلم هم الذين يتبنون مثل هذه الأخبار فلا حول ولا قوة إلا بالله.
عبَاد الله :
كم من مجرمٍ يريد بالمجتمع شرَّاً وفساداً قبض عليه هؤلاء ؟ وكم من عصابةٍ محترفةٍ للفساد والرذيلة ؟ وكم من مروج للمخدِّرات ومصنِّعٍ للخُمور .. أتظنُّ أن مواجهة هؤلاء من الأمور السَّهلة ؟ وبأي قوة يواجَهُ هؤلاء الرجال أولئك العُتاة جلاوزة الإجرام وعصابات الفساد أليسوا يخاطرون بحياتهم وأرواحهم. [من حقوق أهل الحسبة].
أليسوا يحمون أعراض من لا يتورَّع عن الخوض في أعراضهم , ويقدمون الخير لمن لا يكفُّ لسانه عنهم , ومع هذا هم لا يريدون من الناس جزاءً ولا شكوراً إنما أجرهم على الله سبحانه .
فلماذا لا ندافع عن أعراض هؤلاء ؟ ولماذا نجعلهم دائماً في قفص الاتِّهام ؟ لقد جاء في حديث النبي r : ((مَن حَمَى مؤمناً من منافقٍ يغتابُه بعثَ الله تعالى إليه ملَكاً يحمي لحمَهُ يوم القيامة من نار جهنَّم , ومن رمى مُؤمناً بشيءٍ يريد سبَّهُ حبسه الله تعالى على جسر جهنَّم حتى يخرج ممَّا قال)). [خرجه أبو داوود].
أما أنتم يا أهل الحِسبة فاعلموا-رعاكم الله- أن هناك من يدعون لكم ويتضامنون معكم-وأنتم لا تشعرون- بل إنَّ عدداً كبيراً من المُنصفين يدركون ما تقدمون به ويعترفون بما تواجهون من صعابٍ فاصبروا فقد قيل للرسل من قبل وهم لا شكَّ أفضل البشر ما قيل من الأذى .
يا رجلَ الهيئة المخلِص : إن البنت التي أنقذتَها من الورطة حينما كادت أن تفقد عرضها لن تنساك أبداً عندما حميتها من هذا المجرم الخائن , وإنَّ والديها- وإن لم يقولا للناس- فلن يفتر لسانهما عن الدُّعاء لك بالتوفيق , وإن الذي منَّ الله عليه بالهداية أقل ما يُكافئك به دعوةٌ صادقة في ظلمة الليل فهنيئاً لك صبَّارٌ شكور , وهنيئاً لك داعٍ إلى الخير والله الموعد وهو حسبنا ونعم الوكيل وكل عامل سوف يُجزى بالذي كان يعمل.
اللهم ألهمنا رشدنا , وقنا شر أنفسنا , اللهم أَعِزَّ الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر , اللهم اكفهم شرَّ الكائدين والحاسدين , اللهم أصلح لنا ولهم النِّيَّة والذُّرِّية , اللهم وضيِّق على من ضيَّق عليهم وآذاهم يا رب العالمين.