إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً , اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
أمَّا بعدُ فيَا أيُّها الإخوة المُسلمون : اتقوا الله سبحانه وأطيعوه , واعلموا أنَّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
عبَاد الله :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام , بسببه نالت هذه الأمة خيريَّتها , وبه تميزت عن سائر الأمم , قال تعالى: (( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )) (آل عمران: 110) .
الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والأخذ على يد السَّفيه حصنٌ حصين من المحن , ودرعٌ يقي من الشُّرور والفتن , وأمانٌ تحفظ به حرمات المسلمين , به تظهر شعائر الدين وتعلو أحكامه , ويعز أهل الإيمان ويذل أهل النفاق والطغيان .
قال الإمام سفيان: (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك , وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق).
أهل الإيمان وُصفوا في القرآن بأنهم: (( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (التوبة 71) .
بينما وصف أهل النفاق بأنهم (( يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (التوبة:67) .
من قام بالمعروف والنهي عن المنكر مكَّنه الله ونصره , وأيَّده الله وسدَّده , قال سبحانه وتعالى: (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)) (الحـج: 40-41) .
عبَاد الله :
إذا فشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تميَّزت السنة من البدعة , وعُرف الحلال من الحرام , وأدرك الناس الواجب والمسنون , والمباح والمكروه, ونشأت النَّاشئة على المعروف وألفته , وابتعدت عن المنكر واشمأزَّت منه . [توجيهات وذكرى 1/47].
وإن العاقل إذا تأمل في كثيرٍ من المجتمعات التي ضعف فيها جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى جهلاً بالسنن , وانتشارا للبدع , وإهمالاً للصلوات , واتِّباع للشهوات . وأن من سنن الله الماضية أن يسلط عقوبته على المجتمعات التي تهمل هذه الشعيرة .
قال الله جل وعلا: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )) (المائدة 78-79).
وإذا أُعلن المنكر في مجتمع ولم يجد من يقف في طريقه فإنه سيقوى ويكثر الخبث وعند ذلك يحلُّ بالأمة العذاب والهلاك .
ففي الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها أنها قالت : ((يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: ((نعم , إذا كَثُرَ الخَبَث)).
ومما أُثر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : ( كان يُقال: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصَّة ولكن إذا عُمِل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم ) ( إن وجود المصلحين في الأمة هو صمَّام الأمان لها , وسبب نجاتها من الهلاك العام , ولهذا قال تعالى: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود: 117) ولم يقل صالحون.
[يراجع حتى لا تغرق السفينة 28-29].
وروى أبو داوود والترمذي عن أبي بكر الصديق t أنه قال : ((أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) وإني سمعت رسول الله r يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوُا الظالم فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ أن يعمَّهم الله بعقابٍ منه)).
وفي المسند وسنن الترمذي عن حذيفة t أن النبي r قال : ((والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهَون عن المنكر أو ليوشِكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقاباً منه , ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم )).
الله أكبر – إنه تهديد يهزُّ القلوب الحية , ويحثُّ على المسارعة إلى إحياء هذه الشعيرة والعمل بها وحمايتها والدفاع عن القائمين بها.
ألا فاتقوا الله – يا أهل الإسلام- ومُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وخاصة في بيوتكم وعند أهليكم وأولادكم ومن ولاكم الله مسؤوليتهم , قال r : ((مَن رَأى منكم منكراً فليغيِّره بيده , فإن لم يستطع فبِلِسانه , فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) وفي رواية : ((وليسَ وراءَ ذلك من الإيمان حبَّة خردل)).
واعلموا- عباد الله- أنه لو طُوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأُهمل علمه وعمله لتعطَّلت الشريعة , واضمحلَّت الديانة , وعمَّت الجهالة , وفشت الضلالة , واستشرى الفساد , وهلك العباد وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد.
(إنَّ فَشْوَ المنكرات وعدم تغييرها يؤدي إلى سلب نور القلب وانطفاء جذوة الإيمان وموت الغيرة على حرمات الله , فتسود الفوضى , وتنتشر الجريمة , ثم يحيق بالقوم مكرُ الله , حتى إن كثرة رؤية المنكرات يقوم مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز وقوة الإنكار). [توجيهات وذكرى لابن حميد 1/48].
لأن المنكرات إذا كَثُرَ على القلب ورودها, وتكرر في العين شهودها , ذهبت من القلوب وحشتها فتعتادها النفوس فلا يخطر على البال أنها منكرات ولا يميز الفكر أنها معاصي.
يقول بعض الصالحين : إن الخوف كل الخوف من تأنيس القلوب بالمنكرات لأنها إذا توالت مباشرتها ومشاهدتها أَنِسَت بها النفوس فلم تتأثر عند رؤيتها.
فيا أيُّها المسلم :
مُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر بعلمٍ وحلم , ورفقٍ وصبرٍ بالحكمة والموعظة الحسنة مستعملا كل وسيلةٍ مباحة متاحة , سواء كان ذلك عن طريق الكلمة الهادفة , أو الكتيِّب المناسب , أو النَّشرة الصغيرة , أو الشريط المفيد , أو الهاتف أو الجريدة أو الرسالة الشخصية أو غير ذلك من الوسائل التي تقطع المنكر وتنهيه أو تخفِّفه وتُضعف منه , والدال على الخير كفاعله , والمسلمون نَصَحَة , والمنافقون غَشَشَة , ومن يتحرى الخير يُهْدَ إلى طريقه , ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يُمَهِّدُون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (آل عمران: 104) .
جعلني الله وإياكم من المفلحين ومن عباده المصلحين إنه جوادٌ كريم , أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم