حينما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم أصيب الناس بالفزع وطاشت الأحلام واضطربت الألباب والرؤى ، ولم يحسم الامر بوضع الناس على الحق غير فقه وثبات أبي بكر رضي الله عنه ، حيث قال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا على الناس قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : ((
إنك ميت وإنهم ميتون )) وقوله سبحانه : ((
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )) قال الطبري : وكان عمر يقول : لم يمت ؛ وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك . حتى رجع عمر رضي الله عنه عن ذلك وقال : والله لكأني ما سمعت هذه الآية من قبل .
وكان من واجب المسلمين بعد أن عرفوا بحقيقة الامر ان يسرعوا باختيار خليفة لهم يلي أمر المسلمين في شتى أمورهم المختلفة . فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد ابن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : منا الأمراء ومنكم الوزراء . ثم قال ابو بكر : إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر او أبا عبيدة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا : ابعث معنا أميناً فقال : لأبعثن معكم أميناً حق أمين ؛ فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، وأنا أرضى لكم أبا عبيدة . فقام عمر ، فقال : أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم ! فبايعه عمر وبايعه الناس ... وجاء في صحيح البخاري ان أبا بكر رضي الله عنه قال : نحن الأمراء وانتم الوزراء ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الأئمة من قريش ، وقال : أوصيكم بالأنصار خيراً أن تقبلوا من محسنهم وتتجاوزوا عن مسيئهم ، إن الله سمانا الصادقين وسماكم المفلحين ، وقد امركم أن تكونوا معنا حيث كنا فقال : ((
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) فتذكر الأنصار ذلك وانقادت إليه وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ) وفي اليوم الثاني من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة دعي إلى الصلاة ، ووقف ابو بكر على المنبر ، وقام عمر وتكلم كلاماً طيباً عن فضائل أبي بكر .
فبايع الناس الصديق بيعة عامة بعد بيعة السقيفة ، ثم تكلم ابو بكر رضي الله عنه فقال بعد ان حمد الله وأثنى عليه : أما بعد أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانه ، والكذب خيانه ، والضعيف فيكم قوي حتى أرد عليه حقه إن شاء الله تعالى . والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى .
لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله . ولم يتخلف عن البيعة إلا الذين كانوا مشغولين بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انتهوا من ذلك بايعوا ، ولم يتخلف منهم أحد سوى سعد بن عبادة رضي الله عنه الذي تأخر قليلاً من الوقت ، ثم بايع وخرج مجاهداً ، واستشهد في بلاد الشام بعد قليلٍ من خروجه رضي الله عنه .
الموظفون في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
- حنظلة بن الربيع ( كاتب )
- عبد الله بن الأرقم ( كاتب )
- عبد الله بن خلف الخزاعي ( كاتب )
- معيقيب بن أبي فاطمه الدوسي ( كاتب )
- أبو عبيدة عامر بن الجراح ( بيت المال )
- سعد القرظ ( مؤذن )
- زيد بن ثابت ( كاتب وفرضي )
- عبد الرحمن بن عوف ( إمارة الحج )
- أبو حثمة الأنصاري ( خارص )
وصية أبي بكر الصديق التي أمر بها أن يكون عمر بن الخطاب الخليفة من بعده
ترك أبو بكر الصديق رضي الله عنه عهد عمر مكتوباً وموثوقاً بخاتمه ، وكان نص العهد الذي حرره عثمان رضي الله عنه كما يلي :
( بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها ، حيث يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب ، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب ، والخير أردت ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .