أسئلة كثيرة تتعلق بهذا الموضوع طرحناها على عدد من المسئولين والمهتمين بالقضية فهاهو دكتور شريف سليمان الطبيب بالهيئة الدولية لصحة الأسرة في مصر يؤكد على أننا كبشر لسنا مخولين للحكم على أي شخص وتقييمه فأي منا معرض للخطأ، والأديان والأعراف جميعها وجدت للإنسان فرصة التوبة عن الخطأ، كما أن أسباب الإصابة بمرض الإيدز لا يصح أن يأخذها المجتمع سببا أو ذريعة لوصم المريض، فتلك الأسباب هي وصمة للمجتمع نفسه بما فيه من جهل وزيف وخوف وصراعات، وإلا كيف يبرر المجتمع إصابة المرأة عن طريق زوجها، وإصابة ضحايا الحرب واللاجئين الذين ليس في أيديهم توفير وسائل الوقاية الصحية المطلوبة، وهل لنا أن نحاسب امرأة دفعتها ظروف الحرب لارتكاب خطأ ما؟ أم أن الأولى أن تتم محاسبة المتسببين في الحرب أنفسهم؟!
أما محمد المرجبي ـ وهو مذيع ومعد برامج في إذاعة سلطنة عمان ـ فيقول: (إن الثقافة المجتمعية تجاه مريض الإيدز ـ وإن كانت خاطئة ـ فإن ما يبررها هو النقص الحاد في المعرفة، ويشير إلى أن الفرق بين مريض وغير مصاب ـ في كثير من الأحيان ـ لا يكون سوى أن الأول أصبح مبتلى بالمرض وربما من خطأ واحد، والثاني كان عامل الحظ في صالحه كثيرا، رغم أنه غارق في الممارسات التي قد تؤدي للإصابة ـ هذا في حال كان سبب انتقال المرض جنسي ـ وبالتالي فالمقارنة بينهما على أساس أخلاقي ليست صحيحة على الإطلاق، فما بالك بمن أصيب نتيجة نقل دم أو ما شابه؟
ويؤكد د. إيهاب الخراط مستشار برنامج الإيدز في الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على أن حامل فيروس الإيدز ليس سوى مريض بمرض مزمن، ونحن لسنا معصومين لنمارس وصاية أو وصما على غيرنا، ولسنا أفضل حالا لنمارس شفقة لا يحتاجها أو يريدها المريض، بل نحن مرضى أيضا، ولكن تتنوع أمراضنا وتختلف، ومثلما نحن معرضون للإصابة بأمراض ضغط الدم مثلا نحن أيضا معرضون لأن يصاب أي منا بالإيدز أو حتى أن يكون مصابا الآن وهو لا يعرف.
الميول العدوانية
وحول ما يثيره البعض من أن مريض الإيدز قد يكون لديه نوع من العدوانية أو السلوك الانتقامي تجاه المجتمع يجيب سليمان بأن ذلك لا يحدث ولم يتم تسجيل أية حالة بهذا الخصوص، بل عادة ما يكون الشعور السائد لدى من يعلمون بإصابتهم هو الألم مع زيادة واضحة في الشعور الإيماني لديهم، ومع الدعم النفسي يبدأ المريض في استعادة حياته الطبيعية مع حس أكبر بالمسئولية تجاه الآخرين.
كما تؤكد على هذا إحدى صديقات مرضى الإيدز من جمعية كاريتاس بقولها إن هناك سؤالا مهما وهو: لماذا نعامل مريض الإيدز على أنه شخص مختلف أو عدواني؟ فهو إنسان طبيعي، وشخصيات البشر عموما تختلف بين الحاد والهاديء فتلك تركيبة نفسية وطبيعة شخصية ولا دخل للمرض في ذلك من قريب أو بعيد، بل إن الملاحظ بصورة واضحة هو تنامي الشعور بالمسئولية الاجتماعية لدى معظم المرضى الذين تم التعامل معهم، والذي يعيش معظمهم حياة طبيعية وسط أسرهم وفي أعمالهم، ولديهم إنجازاتهم.
كما تشير إلى أن الكثير من مرضى الإيدز نجحوا في حياتهم وبصورة كبيرة بعد أن تخطوا حاجز الصدمة، وأن هناك وعيا تحقق لدى الكثيرين بالمرض، حتى أن إحدى الفتيات من غير المصابين لم تجد لديها ما يمنع من الزواج من مريض إيدز، وبالفعل كادا يرتبطان، لولا أن أصر الشاب على أن يعلم والد الفتاة بمرضه، والذي رفض من جهته إتمام الزواج، على الرغم من أنه يمكن للمريض الزواج دون خوف من نقل العدوى لزوجته ماداما يراعيان بعض الشروط الصحية، بل ويمكنهما إنجاب طفل غير مصاب شرط خضوع الزوجة لرعاية صحية خاصة، والأمر ذاته لو كانت الزوجة هي المصابة.
تأهيل المجتمع
والمطلوب الآن هو تأهيل المجتمع لا تأهيل المرضى، إذ ماذا يعني أن يطرد طبيب متخصص ـ ومن المفترض أنه على دراية كبيرة بالمرض ـ مريضه لمجرد أنه مريض بالإيدز؟ فأين لهذا المريض أن يذهب لتلقي العلاج؟ وهل من الأفضل ألا ينبه المريض طبيبه لإصابته بالإيدز؟!
يرى د. شريف أن هناك عوامل كثيرة يجب التغلب عليها لتأهيل المجتمع نفسيا في تعامله مع مريض الإيدز أبرزها عوامل الجهل والخوف: الجهل بالمرض ومحدداته وطرق تجنب الإصابة به، والخوف من كلام الناس تحت وطأة فكرة العيب والحرام والوصم من قبل المجتمع، الأمر الذي يمنع أي شخص من مجرد السؤال عن شيء لتكون نتيجة نقص المعلومة ـ في كثير من الأحيان ـ أن يصاب الشخص ذاته بالمرض.
ويشدد سليمان على أهمية تعريف الناس أن الخدمات الطبية لمريض الإيدز متوافرة بداية من الفحص الذي توصلت بعض الدول إلى إمكانية إجرائه مجانا، ودون أن يضطر من يقوم بالفحص لتقديم أية بيانات عن نفسه: لا اسم ولا عنوان ولا رقم بطاقة، وفي حال اكتشاف الإصابة فالأمر يترك للمريض ذاته، إذا أراد الحصول على العلاج فهو متوفر وبالمجان، وفي سرية كاملة، حيث يمكن للمريض أن يعيش مع توفر الدواء كأي شخص عادي وغير مصاب.