عندما علمت "أمل" أنها أصيبت بفيروس الإيدز عن طريق زوجها وعلى الرغم من صدمتها إلا أن ألمها كان أكبر تجاه صغيرتها التي أصابتها عدوى الفيروس أثناء ولادتها، ولأنها آمنت منذ البداية بأن الأمر كان مقدورا وأن ليس في يدها تغييره استسلمت ـ وبحس إيماني عميق ـ لقضائها، وبدأت هي وأسرتها مرحلة ما يمكن تعريفه بمعايشة المرض أو مصادقته والتي تعني معرفة كل شيء عنه وكيف يمكن للمريض أن يعيش حياته طبيعيا دون التعرض لآثار المرض وأعراضه، وذلك من خلال برنامج علاجي مستمر يصل بالتحميل الفيروسي في جسد المريض إلى أقل مستوى ممكن، لتصبح إصابة الإيدز أقرب ما تكون للإصابة بمرض مزمن كالسكر مثلا، مع فارق وحيد وهو احتياطات انتقال العدوى عن طريق الدم بالنسبة للإيدز.
ولكن في اليوم الذي احتاجت فيه "أمل" لترك ابنتها عند والدتها بسبب انشغالها في بعض الفحوصات فاجأها رد فعل الجدة والتي رفضت استقبال الصغيرة في بيتها قائلة: "أتحضرون الإيدز إلى بيتي ...؟!".
"أمل" وهي مواطنة عربية مسلمة تروي تلك القصة بألم في سياق حديثها عن كيفية استقبال المجتمع لمريض الإيدز، مضيفة أن المدهش في الأمر ـ وعلى الرغم من تطور الوعي الصحي ـ أن مجتمعاتنا العربية مازالت تعامل مريض الإيدز إما بالنفور الناجم عن الخوف، أو الوصم المتعلق بالانطباع السائد حول انتقال الفيروس عن طريق الاتصال الجنسي، أو بالشفقة التي هي ـ كما تضيف "أمل" ـ آخر ما يحتاجه المريض الذي يريد أن يكون التعامل معه إنسانيا طبيعيا.
ما حدث مع "أمل" وهو أمر يحدث بصور ودرجات مختلفة مع كثيرين؛ يطرح العديد من الأسئلة حول أهلية المجتمع للتعامل مع مريض الإيدز، فهل استطاع المجتمع كسر حاجز الصمت المحيط بهذا المرض لاعتبارات يتصورها البعض أخلاقية أو دينية، وهي ليست سوى "تابوهات" من صنع الأفراد أنفسهم؟ وهل على مريض الإيدز ـ أيا كانت أسباب إصابته ـ أن يواجه الوصم الأخلاقي ودعاوى عزله اجتماعيا؟ ألم يؤكد ديننا الحنيف والأديان جميعها على مفهوم الفرصة التالية أو التوبة في تعامله مع من يخطئ، فما بالك بمن كان ضحية أمر لا يد له فيه؟