وقد وقف العلماء من هذه البدعة الكفرية الخطيرة موقفا حازماً فحذورا منها، وبينوا ضلالها، وكفّروا القائلين بها، ومن هؤلاء العلماء كبار الصوفية كالجنيد - رحمه الله - الذي سئل عن التوحيد فقال: "التوحيد إفراد المحدث عن القدم"، وهذا رد ظاهر على من مزج بينهما، وجعل الخالق ( القديم ) والمخلوق ( المحدث ) شيئاًَ واحداً.
ويقول الشعراني في "طبقات الصوفية": " ولعمري إن عباد الأوثان لم يجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله، بل قالوا: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }(الزمر:3)، فكيف يظن بأولياء الله أن يدعوا الاتحاد بالحق – سبحانه - هذا محال في حقهم رضوان الله عليهم ". وذكر القاضي عياض في "الشفاء" في إطار سرده بعض المقالات الكفرية حيث ذكر منها القول ب " حلوله – أي الله - في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة، والباطنية النصارى والقرامطة "، وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب "المحصل في أصول الدين" : " مسألة الباري تعالى لا يتحد بغيره؛ لأنه حال الاتحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحد، وأن صارا معدومين فلم يتحدا بل حدث ثالث، وإن عُدم أحدهما وبقي الآخر فلم يتحد لأن المعدوم لا يتحد بالموجود ". وقال صاحب معيار المريدين: " والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال؛ فإن رجلين مثلاً لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما، كما هو معلوم، فالتباين بين العبد والرب - سبحانه وتعالى – أعظم، فإذن أصل الاتحاد باطل، محال مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً، بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية، وسائر العلماء والمسلمين . وليس هذا مذهب الصوفية، وإنما قاله طائفة غلاة، لقلة علمهم، وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى - عليه السلام - اتحد ناسوته بلاهوته، وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً ".
التفريق بين عقيدة وحدة الوجود وعقيدة الاتحاد والحلول
ولا شك أن القول ببطلان عقيدة الحلول والاتحاد، هو إبطال لعقيدة وحدة الوجود؛ فإن إبطال الجزء إبطال للكل بلا شك، فإذا انتفى أن يكون بعض الخلق إلهاً فبطلان ألوهية الكل من باب أولى، وذلك أن العلماء يفرقون بين هاتين العقيدتين، عقيدة الحلول والاتحاد، والتي تميز بين الخالق والمخلوق، غير أنها تدعي أن الخالق يتحد بالمخلوق، ويحل فيه في مرحلة ما كقول النصارى في عيسى - عليه السلام -، وبين عقيدة وحدة الوجود التي لا تؤمن بهذه الثنائية، بل تضللها، وتدعي أن الكون كله ما هو إلا مظاهر وتجليات للخالق سبحانه، وأنه لا موجود في الوجود سوى واجب الوجود