شاب يواعد فتاة يستدرجها بمعسول الكلام، ويتودد إليها بأساليب الهيام، ويحلف لها أغلظ الأيمان أنه لا يريد إلا الزواج، كل ذلك ليصل منها إلى مبتغاه فإذا حصل منها مراده نبذها نبذ الحذا ورماها رمي الكلاب. أما يخاف هذا أن يمكر به.
شخص يتحايل على أكل الربا، وأخذ الرشا، وأكل أموال الناس بالباطل، وهو يعلم أنه حرام ثم ترى المسبحة لا تفارق يده أو درج مكتبه، وربما يتصدق بنذر من هذا الحرام يظن أنه يرضي به ربه... بمن تمكر؟
وستجد من يشكو قسوة قلبه.. ثم يذهب ليشاهد المواقع الخليعة ويشتري الاسطوانات البائسة، ويؤجر الأفلام من محلات الفيديو.. ثم يزعم أنه يريد أن يلين قلبه من قسوته، سبحان الله!! من تخادع؟
كم من مريد للتوبة أو مدع لإرادتها وهو يحتفظ بكل ذكريات المعصية.. صور الفتاة التي كان يغازلها أو يخادعها وخطاباتها.. فربما احتاج يوما إليها.
اسطوانات المقاطع وأشرطة الأفلام مازالت موجودة عنده.. فلعله حن يوما إليها .
شرائط الأغاني والموسيقى مازالت عنده.. فمن يدري ربما بحث يوما فلا يجد مثلها.
بالله عليك ألا تعلم أن الله عالم بسرك ونجواك، ويراقب خلجات قلبك وأسرار نفسك؟
وأعظم من ذلك أن تُوغِل في المعاصي ثم تتزلف ببعض الطاعات تظن أن هذا مقابل ذاك، وهذه بتلك، وأن الحسنات يذهبن السيئات؛ فتحتال ببعض العلم على التجرؤ على المعصية وأنت تعلم أنك مخادع .
يقول ابن الجوزي رحمه الله في مثل أولئك: "ومن أقبح الذنوب التي قد أعد لها الجزاء العظيم، الإصرار على الذنب، ثم يصانع صاحبه باستغفار، وصلاة، وتعبد، وعنده أن المصانعة تنفع. وأعظم الخلق اغتراراً، من أتى ما يكرهه الله، وطلب منه ما يحبه هو، كما روي في الحديث: "والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
ثم بيّن ـ رحمه الله ـ أن ذلك نوع مكر فقال: "تصر على المعاصي وتصانع ببعض الطاعات، والله إن هذا لمكر".(اهـ من صيد الخاطر).