اذا السحاب زفته الريح مرتفعا فلا عدا الرملة البيضاء من بلد
وصل فارس الى مشارف مدينة الرملة على احدى وسائل النقل الزراعية وهو يجوب بناظريه على السهل الاخضر المحيط بمدينة الرملة المزروع باشجار الحمضيات والعنب والبطيخ، وما هي الا دقائق معدودة حتى قاطعه الصوت العربي الاصيل مرحبا به في بلده:
فارس: مرحبا بك لقد صدقت اختك مدينة مجدل عسقلان بانك قصبة فلسطين.
الرملة: لقد وصفت بقصبة فلسطين كما سمي سهل مرج بن عامر بسلة فلسطين لما فيه من خيرات ومزروعات ولأني اقع في منتصف فلسطين فأنا اعتبر الممر الذي يربط الساحل بالجبل والغور والاردن كما أني اصل السهل الساحل الفلسطيني الشمالي بالجنوبي، ولأني قريبة من السهل والبحر والجبل وارتفع بمقدار 100 متر عن سطح البحر ومساحتي 1769 دونما فأنا من اكبر المدن الفلسطينية ولي اهمية كبرى.
فارس : وهل هذه الاهمية تعود لموقعك الاستراتيجي؟
الرملة: نعم فلموقعي اهمية استراتيجية وحربية. فالافرنج اتخذوني مركزا لجيوشهم كما كنت قاعدة عسكرية للجنود الاتراك والالمان خلال الحرب العالمية الاولى اما في عهد الانتداب فقد اقام الانجليز معسكرا ضخما يبعد عني حوالي 5 كم.
فارس : أنت مدينة عظيمة ولابد أن لنشأتك تاريخ عظيم؟
الرملة: انا احدى المدن العظيمة التي انشئت في الاسلام فقد اعاد بنائي الخليفة الاموي سليمان بن عبد الملك سنة 715م على ارض مرتفعة الشكل قسمنها بواسطة شوارع الى اربعة اقسام وسكنت هذه الاقسام قبائل عربية هي لخم وكنانة.
فارس : وما سبب تسميتك بهذا الاسم؟
الرملة: تعود تسميتي بهذا الاسم لاكثر من سبب فالبعض يقول ان اسم الرملة مأخوذ من الرمل وكثبانه المحيطه به. ويقول البعض أني سميت بالرملة نسبة الى امرأة وجدها سليمان بن عبد المك في بيت شعر فأكرمته واحسنت ضيافته فسألها عن اسمها فقال رملة فأعاد بناء المدينة وسماها رملة.
واذا اقتربت من الرملة وجدت الارض المجاورة لها تتكون من الحصى المستدير الشكل وهو متلبد ذو احجام مختلفة.
فارس: أفهم من حديثك أن موقعك جعل كثيرا من الحكام يهتمون بالسيطرة عليك عبر التاريخ؟
الرملة: تاريخي حافل بالحكام وشعوبهم فقد تقلب على حكمي الطولونيون ثم الاخشيديون فالقرامطة فالفاطميون وتعرضت لزلزالين الاول سنة 1031م والثاني سنة 1070م وقد أتت هذه الزلازل على البيوت الجميلة والسود العظيم واهلك منها الكثير من اهلي.
ثم احتلني الافرنج سنة 1099م واستعادني المسلمون وقضوا على معظم من كان في من فرسان «بدوين الصليبي» ثم احتلني الصليبيون ثانية واستردني المسلمون بعد معركة حطين وفي سنة 1204 عدت لحكم الصليبيين فأقاموا في ابرشية وكنيسة الى ان حررني الظاهر بيبرس سنة 1261م اما الزلزال الثالث الذي اصابني سنة 1293 فقد هدم الابرشية.
وفي سنة 1516 دخلت تحت الحكم العثماني الى ان احتلني نابليون بونابرت سنة 1799 ثم عدت الى حكم العثمانيين حتى عهد الانتداب البغيض منذ سنة 1917.
فارس : وما حصل لك بعد ذلك؟
الرملة: قاومت الانتداب والاحتلال كغيري من اخواتي المدن الفلسطينية واشتركت في الجهاد ضد بريطانيا والصهيونية وطالبت بوقف الهجرة الصهيونية الى أرضي فلسطين وقد سقطت بيد الاحتلال في الثاني عشر من تموز 1948م وتم اجلاء جميع سكاني العرب الاصليين واسكنوا محلهم يهود رومانيا وبلغاريا.
ويقول البعض انني في مصاف المدن المقدسة فقد جاء الحديث الشريف «أكرموا الرملة» ويعني فلسطين فانها الربوة التي قال الله تعالى عنها : (وأويناها الى ربوة ذات قرار معين).
فارس : ما دمنا قد تحدثنا عن نشأتك وموقعك الاستراتيجي والامم التي توالت عليك فلابد ان يكون لموقعك الجغرافي اثر مهم في حياتك.
الرملة: ذكرت لك اني قصبة فلسطين فأنا قريبة من السهل والبحر والجبل وأقع في منتصف فلسطين وأرضي سهلة كثيرة الأشجار من برتقال وتين وعنف وبطيخ وقطن وخضار ومما يساعد على وفرة الزراعة في أرضي كثرة آباري العميقة.
فارس : ما دمت كثيرة الخيرات، فهل تستهلكين جميع هذه المنتوجات؟
الرملة: نتيجة لانتاجي الزراعي الكبير فقد راجت عندي التجارة واصبحت كثير من المدن والقرى المحيطة بي تأتي لاسواقي لشراء ما يحتاجه اهلها. ومن اسماء اسواقي سوق القماحين المتصل مع سوق البقالين وسوق القطانين والعطارين.
فارس : اعرف من كلامك أنك اشتهرت فقط بالناحية الزراعية؟
الرملة : كلا يا فارس فقد حباني الله بنوع من الرخام الممتاز واذا ما نظرت الى البيوت تجد معظمها مزينة بهذا الرخام الجميل، كما أني اشتهرت بمعامل الاواني الخزفية ودبغ الجلود ومعامل الصابون.
فارس : اذا ما أردت ان تصدري كميات من انتاجك فهل توجد طرق مواصلات تربطك مع المدن الرئيسة؟
الرملة : نعم يا فارس فيربطني خط حديدي مهم بمدن القدس يافا مارا بالنعاني وكذلك توجد طريق رئيسة تربط القدس بيافا مارا باللطرون.
فارس : منذ أن زرتك ونحن نتحدث عن نشأتك وتاريخك وقد جئت اليك ابحث عن ظالتي المنشودة فهل لك ان تصطحبيني كي اتعرف على مدينتك الجميلة التي طالما سمعت عنها.
الرملة: سوف اصطحبك يا فارس الى اشهر آثاري وهو الجامع الابيض وفي طريقنا يمكنك مشاهدة المباني الجميلة والسهول المزروعة بأنواع الاشجار والخضار.
فارس : هل الجامع الابيض هو الاثر الوحيد الباقي من آثارك، ام توجد آثار اخرى؟
الرملة: توجد آثار كبيرة اهمها اطلال قصر للخليفة سليمان بن عبد الملك وهو موجود في حديثة البلدية ولا تزال بعض جدرانه قائمة على جانب من الحديقة وكذلك مقام الفضل بن عباس ابن عم الرسول «ص» ويوجد كذلك مقام النبي صالح ومقام النبي روبين وله موسم خاص يقام له كل سنة في فصل الربيع.
ومن الجهة الشمالية الغربية من المدينة يوجد اثر عباسي وهو الوحيد في فلسطين وهو عبارة عن بركة ماء مساحتها 500 متر مربع بنيت لخزن الامطار وتسمى بركة الاقواس ­ وهذه البركة او البئر مبنية بحجارة منظمة المداميك وتوجد كتابة مؤرخة 172 ه­ 789م وتحمل اسم امير المؤمنين هارون الرشيد.
فارس : اعتقد أنا وصلنا الى الجامع الابيض.
الرملة : كلا يا فارس، فهذه مئذنة الجامع الكبير وقد كانت كنيسة القديس ماريوحنا المعمدان وقد حولت مسجدا منذ القرن الثالث عشر والآن سوف نتجه الى الجهة الغربية حيث ترى الجامع الابيض ومئذنته المشهورة.
فارس : ومن الذي أنشأ هذا الجامع.
الرملة : انشأ هذا الجامع الخليفة سليمان بن عبدالملك عام 715م وسوف اصفه لك كما كان منذ بنائه.
كان الجامع مبنيا على 26 قنطرة على الجانبين كل جانب فيه ثلاث عشرة قنطرة وفي الوسط ثلاث عشرة اسطوانة مبنية بالحجر كان محرابه الكبير في وسط المسجد وفي أعلى قنطرة المحراب الحجارة المصنعة المجوفة المسماة بالعرف المعماري «نصف قرنجة».
وللمسجد من الخارج رواقات من ست قناطر في كل من الجهة الشرقية والغربية وفي وسط القناطر باب آخر علما أن طول حرم المسجد يبلغ 75 مترا وكذلك عرضه. وفي الوسط بركة ماء كانت متوضأ للمصلين. وتحت حرم الجامع قبوان معقودان بالحجر لتجمع ماء المطر. فالقبو من الناحية الغربية فيه ست عشرة قنطرة في اربعة صفوف متوازية. ومكتوب على مدخله «عزّ نصره واثابه الله الجنة ورفع درجاته».
فارس : وهل مئذنة الجامع مبنية على طراز جميل معيل؟
الرملة: المئذنة مربعة الشكل مبنية بالحجر المسمى «النحيت» طولها 25 مترا تقريبا ويصعد الى طوابقها الخمسة بسلم عدد درجاته 125 درجة كما توجد غرف عند الدرجة الخامسة عشرة والاربعين والخمسين. ويظن أنها وجدت لتقوية البناء أو مكانا لراحة المؤذنين في اثناء صعودهم الى القمة. وفي كل من الطابقين الاخيرين ثلاث نوافذ مزينة اطرافها بأعمدة صغيرة من الرخام جميلة المنظر بديعة التصميم. ويرى الناظر من اعلى المئذنة منظرا جميلا يطل على سهول يافا الفسيحة الواسعة المغروسة بمختلف انواع الاشجار المثمرة والحمضيات. ومن الناحية الاخرى تطل على جبال القدس وهضابها.
وللعلم يا فارس يوجد تحت الجامع مغارة يقال أن سيدنا صالح دفن فيها وتوجد ثلاث كنائس واحدة للافرنسيسكان الكاثوليك والثانية للروم الارثوذكس والثالثة للانجليكان بالاضافة الى دير الارض.
فارس : وهل لديك آثار اقدم من هذه كباقي اخواتك مدن فلسطين؟
الرملة : اذ لاحظت في الجهة الغربية تجد آثارا منذ العصر الحجري الحديث والتي اقام عليها الكنعانيون قرية «جازر» وتعرف اليوم بقرية ابو شوشة.
فارس : ما دمت قد ذكرت احدى قراك فهل سميت لي بعض القرى المحيطة بك.
الرملة: تحيط بي قرى كثيرة اذكر لك بعضها وكانت مضمونة تحت لوائي وهي : وادي حنين، بئر سالم، صرفند الخراب، وصرفند العمار، وعاقر وبيت دجن والقباب ودير قديس، وبدرس وعمواس وبيت نوبا ويالو.
فارس : وهل لك زي شعبي معين؟
الرملة : نعم لي زي شعبي يلبس في القرى مثل صرفند وادي حنين وبئر سالم وهو مصنوع من قماش اسود غالبا او ملون ويمتاز بقبته التي لها شق طولي على الصدر وهي محبوكة بخيوط حريرية. أما الصدر فهو مطرز بوحدات زخرفية متعددة والاكتاف ايضا تمتاز ببرواز زخرفي، وعلى الذراع من الخارج توجد زخرفة جميلة.
اما الجزء الامامي من الثوب وكلا جانبي الثوب يطرزان بوحدة زخرفية اساسية.
وكذلك الجزء الخلفي يوجد زخارف على كلا جانبيه اما الجزء السفلي الخلفي للثوب فيطرز بزخارف بين الجانبين وهي نفس الوحدات الجانبية او الامامية للثوب.
فارس : انه يشبه اثواب قرى الخليل.
الرملة : نعم ان ثوبي اشبه ما يكون بأثواب قرى منطقة الخليل الحبيبة.
فارس : أتعلمين اني جائع بعد هذا التجوال الجميل.
الرملة : اني بلد عربي كباقي اخواتي المدن الفلسطينية اشتهر باكرام الضيف وقد اعددت لك عشاء شهيا من اللحم والارز تشتهر به منطقتي وبعدها نتناول شيئا من التين والعنف الفاخر.
فارس : شكرا لك وان شاء حينما اعود لك ثانية تكونين قد تحررت من قيود الاحتلال الصهيوني رافعة راية الحرية مع باقي اخواتك مدن فلسطين باذن الله.
الرملة : وصلنا الآن الى المضافة، حيث تجد بعض اهالي القرية يقومون بواجبك خير قيام واني ادعو الله ان يحقق امنيتك فتعود لي مع باقي اخوانك ابناء فلسطين والكل محرر باذن الله.