تأثير القرآن في النفوس:
تميّز القرآن الكريم بتأثيره الخاص على النفوس، وهذا التأثير الأخّاذ البليغ يدلّ على أنّ القرآن كلام الله.
وللقرآن سلطان خاصّ على الفطرة، متى خُلّي بينها وبينه لحظة، وحتى الذين راتب على قلوبهم الحجب، وثقل فوقها الركام، تنتفض قلوبهم أحياناً وتتململ تحت وطأة هذا السلطان وهم يستمعون إلى هذا القرآن.
إن الذين يقولون كثير – وقد يقولون كلاماً يحتوي مبادئ ومذاهب وأفكاراً واتجاهات، ولكن هذا القرآن ينفرد في إيقاعاته على فطرة البشر وقلوبهم فيما يقول: إنه قاهر غلّاب بذلك السلطان الغلّاب !
من الذي يتأثّر بالقرآن أكثر من غيره ؟ إنه المؤمن الّذي يفتح للقرآن قلبه وعقله، وكيانه كله، الذي أشرق قلبه، وشفت روحه وصفت نفسه: إن كل آية وكل سورة تنبض بالعنصر المستكن العجيب المعجز في هذا القرآن، تنشئ بالقوة الخفيّة المودعة في هذا الكلام، وإن الكيان الإنساني ليهتزّ ويرتجف ويتزايد ولا يملك التماسك أمام هذا القرآن، كلما تفتح القلب وصفا الحس وارتفع الإدراك، وارتفعت حساسيّة التلقّي والاستجابة.
وإن هذه الظّاهرة لتزداد وضوحاً كلّما استعت ثقافة الإنسان، ومعرفته بهذا الكون وما فيه ومن فيه، فليست هي مجرد وهلة تأثيرية وجدانيّة غامضة، فهي منخفضة حين يخاطب القلب المجرّب والعقل المثقّف والذهن الحافل بالعلم والمعلومات [136].
وقد وقف كثير من علماء البلاغة والتفسير في القديم والحديث أمام أسلوب القرآن، ولاحظوا تأثيره البليغ الأخّاذ على القلوب والنفوس والأرواح واعتبروا هذا التأثير دليلاً على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى.
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات والصلاة والسلام على أشرف البريات، وعلى آله وصحبه أهل التلاوات وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم نشر الحسنات والسيئات وبعد...
فهذا ما يسّر الله تعالى – فله الحمد والمنّة - في هذا البحث راجياً أن أكون قد وفّيته من جودة في العرض ويسر في الأسلوب.
إن إعجاز القرآن الكريم لا يمكن حصره، ولا يستطيع أحد جمع أركانه كما في الأثر ( لا تشبع منه العلماء ولا يخلف عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه)[137].
ولعلّ أهم النتائج التي توصّلت إليها ما يلي:
1- تعدد وجوه إعجاز القرآن الكريم وتجدّدها مع مرور الأيام على الدوام.
2- إنّ كثيراً من أوجه الإعجاز في القرآن تحتاج إلى مزيد من تفكّر وبحث وجد في استخراجها.
3- إعجاز القرآن الكريم فيه مجال خصب للدعوة إلى الله تعالى – وخاصّة في زماننا هذا وما يليه من أزمنة حيث يعجّ العالم كلّه بالعلم والتطوّر في الاكتشافات العلمية الحقّة فلذلك أدعى لأن يعرفوا أن الدين الذي لا يتعارض مع العلم تنزيل من رب العلم والخلق جميعاً فيذعنوا له ويأتوا إليه مسلمين.
4- والقرآن الكريم رسالة الله الخالدة التي لن تزول ولن تتغيّر، ومن ثم فهو في حاجة إلى الجهود البشريّة المستثمرة لاستخراج درره ومن ثمّ تبليغه للنّاس جميعاً في كل عصر،وحصر وقد اختار الله أمّة الإسلام لتكون حاملة لرسالة القرآن ومبلّغة له.
5- وكلّ جهد يبذل في تلاوة القرآن أو حفظه أو تعلّمه أو العمل به تدبّره أو الدعوة إليه عبادة ينال فاعلها من الله الثّواب الجزيل.
6- للبحث مع كتاب الله مذاق جميل، لا يطعمه إلّا من اقترب من حياضه، وعاش بين أجزائه وسوره وآياته، ومنّ الله عليه بتوفيقه، وأحاطه بعنايته ورعايته، ولم يحرمه التوفيق فيما يبحث فيه، والوصول إلى المبتغى الّذي نريده، والبحث في وجوه إعجاز القرآن، وبخاصّة ( الإعجاز التّأثيري ) أمر له صعوبته وخطورته.
أما صعوبته: فلأنّه لم يكتب فيه علماؤنا الأجلّاء بصورة مستقلّة عن سواه من وجوه الإعجاز الأخرى، وأما خطورته فلأني أخشى القول بما لا أعلم والوصول إلا ما لا أرجو، والأمر لا يتعلّق بشيء هيّن، إنما يتعلّق بأعظم كتاب على وجه البسيطة وهو القرآن العظيم.
وفي الختام أقول: إن عملي هذا جهد بشريّ لا يخلو من الخلل والقصور، ولا شكّ أن الباحث أمام القرآن العظيم صغير مهما عظم، قليل مهما كثر، فما كان فيه صحّة وصواب فمن فسي ومن الله وحده، وما كان من زلل أو خطأ فمتى نفي من الشيطان أعاذنا الله منه، وأستغفر الله من ذلك