نموذج آخر لتأثير القرآن الكريم في نفوس المؤمنين، أنه سيد قطب الذي يحدّثنا عن تأثير القرآن الكريم في نفسه:
يقول رحمه الله عند تفسيره لسورة النجم: ( كنت بين رفقة نسمر حينما طرق أسماعنا صوت قارئ للقرآن من قريب يتلو سورة النجم، فانقطع بيننا الحديث لنستمع وننصت للقرآن الكريم وكان صوت القارئ مؤثّراً وهو يرتّل القرآن ترتيلاً حسناً.
وشيئاً فشيئاً عشت معه فيما يتلوه، عشت مع قلب محمد صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الملأ الأعلى، عشت معه وهو يشهد جبريل عليه السلام، في صورته الملائكية التي خلقه الله عليها.
تلك الحادث العجيب المدهش حين يتدبّره الإنسان ويحاول تخيّله ! وعشت معه وهو في رحلته العلوية الطليقة، عند سدرة المنتهى، وجنة المأوى، عشت معه بقدر ما يسعفني خيالي، وتحلّق بي رؤاي، وبقدر ما تطيق مشاعري وأحاسيسي، وتابعته في الإحساس بتهافت أساطير المشركين حول الملائكة وعبادتها وبنوّتها وأنوثتها....!
ووقفت أمام الكائن البشري ينشأ من الأرض وأمام الأجنّة في بطون الأمّهات وعلم الله يتابعها ويحيط بها.
وارتجف كياني تحت وقع اللمسات المتتالية في المقطع الأخير من السورة، الغيب المحجوب الذي لا يراه إلا الله، والعمل المكتوب لا يندّ ولا يغيب عن الحساب والجزاء، والمنتهى إلى الله في نهاية كلّ طريق يسلكه العبيد.
والحشود الضاحكة، والحشود الباكية، وحشود الموتى، وحشود الأحياء، والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها، وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذكراً أو أثنى، والنشأة الأخرى ومصارع الغابرين، والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى !
واستمعت إلى صوت النذير الأخير مثل الكارثة الداهمة { هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة }.
ثم جاءت الصيحة الأخيرة واهتزّ كياني كلّه أمام التبكيت المرعب { أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون وأنتم ساجدون }.
فلما سمعت الآية { فاسجدوا لله واعبدوا } كانت الرجفة قد سرت في قلبي حقّاً إلى أوصالي، واستحالت رجفة عضلية مادية ذات مظهر مادي، لم أملك مقاومته، فظل جسمي كله يختلج ولا أتمالك تثبيته، ولا أن أكفكف دموعاً هانئة لا أملك احتباسها مع الجهد والمحاولة.
وأدركت في هذه اللحظة أن حادث السجود صحيح، وأن تعليله قريب، إنه كامن في ذلك السلطان العجيب لهذا القرآن [106].
أكتفي بهذا القدر من تأثير القرآن الكريم في قلوب المؤمنين وهناك من الأمثلة الكثيرة التي لا يفسح لها المقام.
ثالثاً: تأثير القرآن في غير العرب:
كما أثّر القرآن الكريم تأثيراً بليغاً في نفوس العرب كفّاراً ومسلمين، وأثّر في نفوس المسلمين من غير العرب، المؤمّلين به الخاشعين عند تلاوته، كذلك أثّر في نفوس غير العرب من الذين لا يعرفون من اللغة العربية شيئاً، وسأقف على بعض الشواهد لتأثير القرآن الكريم في بعض غير العرب الذين لا يعرفون شيئاً منها.
تأثير القرآن الكريم في الفتاة الأمريكية شارون:
لقد سجّلت الفتاة الأمريكية شارون قصّتها مع القرآن الكريم على الإنترنت ونقلتها مجلّة الفرقان الصادرة عن جمعية المحافظة على القرآن الكريم في الأردن:
تحدّثت الفتاة الأمريكية شارون عن بداية حياتها مع أهلها، ومع الكنيسة والأناجيل والقساوسة وأنها كانت فتاة مشاكسة متمرّدة على الجميع، وحتى تحصل على الهدوء والطمأنينة طلبت من الله أن يرزقها رجلاً مسيحياً متديّناً تتزوجه، فساق الله لها رجلاً فسلطينياً مسلماً قادها في النهاية إلى الإسلام، بعد أن حاربت الإسلام وقرآنه أولاً، لكنّها تأثّرت بالقرآن بعد ذلك ودخلت في الإسلام.
قالت في رسالتها: ( كان أول رجل طلبني للزواج فلسطينيّاً، وكان به عيبان لم أردهما في الرجل الذي سيتزوجني، كان عربيّاً وكان مسلماً، لكنه على الرغم من ذلك كان يختلف عن أي رجل قابلته في حياتي، فلم يكن يشرب الخمر وكان مستقيماً.
تزوّجنا ولكن زواجنا كان سيئاً للغاية، وقلت له بأن لا يناقش دينه معي أبداً فلم يفعل ذلك، وجعلت حياته بؤساً في البداية. وفي إحدى الليالي أحضر لي معه قرآناً أعطاه لي قائلاً: هذا هو كتابنا المقدّس وإنني أستطيع أن أقرأ فيه إن أردت !
فرددت عليه قائلة: ضعه هناك فأنا لا أريد أن أقرأ فيه.
وانتظرته حتى غط في نوم عميق ثم دعوت الله قائلة: يا إلهي أرني إن كان هذا القرآن هو الحقيقة أم لا ؟ فإن كان هو الحقيقة فسوف أقبله ! ولكن أرني ذلك.
وفتحت القرآن عشوائياً وإذا بي أفتح على سورة العلق فقرأت قوله تعالى: { اقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم }[107] فشعرت بعاطفة من نوع جديد تسري في عروقي.
ثم فتحت القرآن عشوائياً على صفة أخرى فإذا بي أقرأ قوله تعالى في سورة سبأ: { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربّك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد }[108].
وفجأة وللمرّة الأولى كنت مدركة تماماً أنني أحمل بين يدي كلام الله، وعندئذ عرفت بأن الله لم يكرهني عندما أرسل إليّ زوجاً مسلماً عربيّاً بل كان ذلك رحمة منه لكي أجد هذه المعجزة، وهذه الحقيقة التي طالما بحثت عنها.
أحسست بسعادة تغمرني حيث وجدت الكنز أخيراً، وعرفت بأن الله منحني الرحمة لأنه قادني لأجد الحقيقة.
وفي تلك اللحظة شعرت بالخجل الشديد من نفسي لأني كنت في غاية السخرية تجاه خالقي وإلهي الرحيم وجلست متسمّرة في مكاني لبعض الوقت، مبتهجة بكنزي الجديد وكانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحاً لكن هذا لم يهمّني فقد وجدت المعجزة.
وركضت إلى زوجي لأوقظه قائلة: استيقظ أريد أن أقول لك شيئاً استيقظ، وقال: عن أي شيء تتحدثين ؟ قلت له: القرآن ذلك الكتاب الذي أعطيتني إيّاه، إنه معجزة من الله ! لماذا لا تصرخون بأعلى صوتكم أيها المسلمون لتعملوا الناس كتاب الله ؟ ابتسم زوجي قائلاً: القرآن الكريم كلام الله، وكل آية في القرآن معجزة ! فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله )[109]
تأثير القرآن الكريم في الدكتور لويس أميليو بلسوني البرازيلي:
الدكتور لويس طبيب أسنان برازيلي، ترجع قصة تعرّفه على الإسلام إلى فترة دراسته في الجامعة في أوائل الثمانينات، وعلى الرغم من أنه نشأ في عائلة مسيحية كاثوليكية حرصت منذ البدء على تربيته على مبادئ الديانة المسيحية من خلال النشاطات في الحي ومن خلال التحاقه بمدرسة ابتدائية كنسيّة فإن ذلك لم يكن عائقاً أمام النور الربّانيّ الّذي تسلّل إلى قلبه.
لقد هاله عندما درس في الجامعة مادة الفنون الجميلة مقدار انتقال كثير من الفنون الإسلامية في المعمار والهندسة إلى الثقافة الغربيّة ثم عرف أن الثقافة الغربيّة قد نهلت كثيراً من المسلمين في مجالات أخرى متعدّدة تعرف عليها بعد أن أخذ حبّ القراءة في هذا الباب بشدّة يوماً بعد يوم، لقد أدرك منذ البداية أن القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم هو سبب ذلك التغيير العميق في الحضارة الإنسانية على امتداد العصور.
فبعد دراسة متعمّقة ومتواصلة بعد تخرّجه من الجامعة امتدّت لعشر سنوات أراد أن يسلك طريقاً أكثر قرباً من الإسلام فبحث عن مركز إسلامي في ضاحيته، وقرّر أن يدرس اللغة العربيّة ويعرف المزيد عن القرآن الكريم بلغة القرآن مباشرة، ولم تطل الفترة، ففي خلال ثلاثة أشهر فقط أعلن الدكتور لويس إسلامه واختار أن يكون اسمه مركّب من اسم النبي صلى الله عليه وسلم فكان اسمه ( محمد أمين ) إنه لا يستطيع أن ينسى ذلك الشعور الّذي هزّه عندما سمع الشيخ يقرأ القرآن قبل دخوله في الإسلام على الرغم أنه لم يكن يفهم اللّغة العربيّة حينئذ إلا أنّ القرآن الكريم كان يمسّ جزءاً ما في روحه... لقد أعلنها بسهولة: ( لا إله إلّا الله محمداً رسول الله ) وأصبح يحسّ ويرى ويسمع ويشعر بكلّ ذرّة في كيانه بمعنى وحقيقة قوله تعالى: { إنّي تبت إليك وإنّي من المسلمين } ومنذ ذلك التاريخ بدأ يُعنى بتعليم نفسه وأسرته الإسلام ويحاول أن يحفظ القرآن الكريم ويتعلّم اللّغة العربيّة، والتحق بحلقة النّدوة العالميّة للشّباب الإسلامي لتعليم القرآن الكريم في ( ساوباولو ) ودرس التجويد [110]
ما أعظم هذا الدين لو وُجد له رجال يحملونه وينشرونه ويهدون به الضّال ويرشدون به الحائر وما أشدّ حاجة الناس إليه، فهل من مشمّر ؟