الأمثلة والنماذج على تأثير القرآن الكريم في النفوس عديدة على اختلاف الزمان والمكان، سواء أكانت النفوس كافرة أم مؤمنة، وسواء أكانت نفوس عرب تعرف العربية لغة القرآن الكريم وتتذوّقها أم كانت نفوس أعاجم لا تكاد تعرف من العربية شيئاً.
ونقدّم فيما يلي نماذج لثلاثة أصناف أثّر فيهم القرآن الكريم: الكافرون، والمؤمنون وغير العرب:
أولاً: تأثير القرآن في نفوس الكفّار:
قال الله تعالى: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون }[94]
ويروي التاريخ أن الإحساس بتأثير القرآن الكريم كان يجذب رؤساء هؤلاء المعاندين ليلاً لاستماع تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، على ما كان من نهيهم عن سماعه وتواصيهم بذلك.
يروى أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق كان كل واحد منهم يأتي من ناحية على غير موعد إلى حيث يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه، وكلّ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطريق وتلاوموا، وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أوّل مرّة ثم انصرفوا.
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل واحد منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد ألّا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرّقوا.
فلما أصبح الأخنس ذهب إلى أبي سفيان يسأله عما سمع فقال خيراً، ثم خرج حتى أتى أبا جهل فدخل عليه فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد، فقال: ماذا سمعت ! تنازعنا نحن وبنو مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك مثل هذه ؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدّقه[95].
الوليد بن المغيرة:
وهذا هو الوليد بن المغيرة وهو من أعتى المشركين وأشدّهم أذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقرأ عليه القرآن، فقرأ عليه قوله تعالى: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكرون } فقال له أعد، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الوليد بن المغيرة قولته: ( والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر).
فكأنّما رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه وقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، فقال: لم ؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله ! قال: علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل في القرآن قولاً: قومك أنك منكرته، قال: وماذا أقول ؟ فوالله ما منكم أحد ألهم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ثم يقول في وصفه مقالة التأثرية المفتون بجمال المستسلم لإعجازه، ( والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه ومغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما هو من قول البشر )[96].
فإذا كان هذا تأثير القرآن في مشرك حتى يستشعر هذه الطلاوة وتلك الحلاوة فكيف بمسلم عمر قلبه بالإيمان وأشرقت نفسه بنور القرآن.
ولقد صدق الوليد بن المغيرة، فأقرّه جميع المشركين الذين جاؤوا للتداول في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف لا ؟ وجميعهم يشعر بنفس شعور الوليد، ويحس بأحاسيسه فلم يمنعهم كفرهم ولا كبرهم ولا غرورهم من الاعتراف بهذه الحقيقة التي لا سبيل إلى إنكارها.
عتبة بن ربيعة:
عتبة بن ربيعة من سادة قريش، كان سيّداً حليماً، ترسله قريش إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليفاوضوه باسم المشركين وليكون لسانها المعبّر وعقلها المفكّر، أرسلته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليساوموه على أن يدع ما هو عليه ويترك دعوته على أن يقدّموا له ما شاء فيعرض عليه الطبّ إن كان ما يأتيه من قبيل الوساوس والجنون.
استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى عروضه السخيّة، حتى إذا فرغ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أوقد فرغت يا أبا الوليد ؟ )) قال: نعم قال: (( فاسمع مني )) قال: أفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بسم الله الرحمن الرحيم، حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصّلت آياته قرآناً عربيّاً لقوم يعلمون، بشيراً ونذيراً، فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون، وقالوا قلوبنا في أكنه مما يدعونا إليه، وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ))[97].
فلما سمعها عتبة أنصت إليه، وألق يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد وسجد معه عتبة ثم قال له: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس، قالوا: ما وراءك، قال: ورائي أنّي سمعت قولاً والله ما سمعت بمثله قط، وهو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش ! أطيعوني، خلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننّ لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم. قالوا: سحرك بلسانه، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم )[98] وهذا اعتراف خطير من الوليد أمام سادة قريش وكبرائهم بإعجاز القرآن الكريم وأثره في النفوس والقلوب والجوارح.
وهذه بالجملة اعترافات أساطيل قريش وسادتها والكل يلهج بكلام واحد وقد تصوّر تصوّراً واحداً ألا وهو أن القرآن الكريم ليس من صنع البشر وأنّه معجز لا قبل لهم بمعارضته بل أن كل من يسمعه منهم يخفق له قلبه وتنفعل أحاسيسه ويحنّ إلى سماعه المرة تلو الأخرى، لا يستطيع أن يفطم نفسه عنه.
ولذلك كان النفر من قريش يتعاهدون على عدم سماع القرآن حتى لا يتأثّروا به ويذهبون إلى بيوتهم إلا أنّ الواحد منهم لا يلبث أن يرجع إلى الكعبة ليسمع القرآن الذي ملك عليه عقله وقلبه فيجد أن صاحبه الذي قد عاهده قد سبقه إلى العودة لسماع القرآن المعجز ندياً من صوت محمد صلى الله عليه وسلم، فيجتمعان أمام الكعبة وكل منهم قد نقض ما عاهد عليه صاحبه وحقّ لهم ذلك.
فمن ذا الذي يرى المعجزة ويملك نفسه أن لا يتأثر بها ؟ إذ لو كان الناس يملكون هذا لما كان للمعجزة ذلك الأثر.
لم يكن من المشركين إزاء هذا التأثر العظيم بالمعجزة القرآنية إلا أنهم بدءوا يعلنون إسلامهم الواحد تلو الآخر، مما أثار حفيظة المشركين، وجعلهم يفكّرون بالوسائل التي يمكن بواسطتها التخفيف من أثر المعجزة القرآنية، فاتّفقوا على أن لا يسمعوا القرآن ولا يمكّنوا أحداً من سماعه خشية أن يتأثّروا بإعجازه ويستجيبوا لهديه، كما اتّفقوا على أن يلغوا في القرآن إذا قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى يشوّهوا فيما يزعمون – جماله ويذهبون برونقه ويشوّشوا على الناس لمنعهم من الإنصات إليه، قال الله تعالى: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون }[99]
إلى هذه الدرجة كان لسماع القرآن الكريم أثره في نفوس أعدائه، فهم يتشاغلون عنه ويتلهّون بغيره، ويتعاهدون فيما بينهم على عدم الاقتراب من تاليه، حتى لا يصل آذانهم حتى إذا وقع بعضهم في ذلك – قاصداً أو ناسياً – لاموه وعنّفوه وقالوا له: { أفتأتون السحر وأنتم تبصرون }، إلا أنهم رغم هذا لم يفلحوا، بل ربما كان الأمر على نقيض مرادهم، فجمال القرآن لا يمكن تشويهه وإعجازه لا يمكن إخفاؤه، فالشمس في رابعة النهار لا يمكن أن تحجب بكف أحمق.
ثانياً: تأثير القرآن الكريم في نفوس العرب:
الأمثلة على تأثير القرآن الكريم في نفوس المؤمنين عديدة، على مدار التاريخ الإسلامي، وفي مقدمة الذين أثّر فيهم القرآن، من نزل على قلبه القرآن محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يتأثّر وهو يتلو القرآن، ويتأثّر وهو يسمع القرآن، ويبدو التأثّر دموعاً غزيرة تذرفها عيناه الشريفتان.
ومن الأمثلة على تأثّره لسماع القرآن، وبكائه لسماع القرآن ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ، قلت أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال: نعم إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت سورة النساء، حتى أتيت على هذه الآية { فكيف إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }[100] فقال: حسبك الآن... فإذا عيناه تذرفان.[101]
ولقد أثّر القرآن الكريم في نفوس الصحابة تأثيراً عظيماً قادهم إلى الانتقال من الشكر والكفر والجاهلية إلى الإسلام.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان سبب إسلامه سماعه القرآن الكريم.
تأثير القرآن الكريم في عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
لقد كان عمر بن الخطاب كثير الإيذاء للمسلمين إذ دفعه حقده وحدّته لأن يعتزم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بلغه أنه مجتمع مع أصحابه في بيت عند الصفا ويروي رضي الله عنه قصّة إسلامه إذ يقول: كنت للإسلام مباعداً وكارهاً ومحارباً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأحرص على شربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش على شربها.
فأرقت في ليلة من الليالي وخرجت أريد جلسائي في مجلسهم ذلك، فلم أجد أحداً، فقلت: لو أني جئت فلاناً الخمّار لعلّي أجد عنده، فجئته فلم أجده، فقلت لو أني ذهبت إلى الكعبة فطفت بها مسبقاً، فجئت الكعبة لأطوف بها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي... فقلت حين رأيته لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول. ثم قلت في نفسي: لئن دنوت منه لأروّعنّه، فابتعدت عنه، وجئت الكعبة من جهة حجر إسماعيل ودخلت تحت ثيابها، وجعلت أمشي رويداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي يقرأ القرآن، حتّى قمت في قبلته مستقبله، ما بيني وبينه إلّا ثياب الكعبة ! ثم سمعت القرآن، رقّ له قلبي فبكيت ودفعني إلى الإسلام، ولم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وأسلمت [102].
وهناك رواية أخرى لإسلام عمر وهي أنّه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمع مع أصحابه في بيت عند الصفا، فلقيه نعيم بن عبد الله، فقال له: أين تريد يا عمر ؟ فقال: أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرّق بين أمر قريش، وسفّه أحلامها ولما في دينها فأقتله. فقال له نعيم: أفلا رجعت إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال: وأيّ أهل بيتي ؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد والله أسلما.
فرجع عمر إلى أخته وزوجها، وكان عندهم خباب بن الأرتّ معه صحيفة فيها سورة طه يقرؤونها، فلمّا سمعوا حسّ عمر، اختبأ خباب في بعض البيت وخبّأت فاطمة الصحيفة، وكان عمر قد سمع شيئاً من القراءة حين دنا من البيت. فلما دخل قال: ما هذا الذي سمعت ؟ قالا له ما سمعت شيئاً. قال: بلى... وقد أُخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه، وبطش بسعيد فقامت إليه فاطمة تدافع عن زوجها فلطمها حتّى سال الدم من وجهها وعندئذ قالت فاطمة وزوجها له: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك، فلمّا رأى عمر ما بأخته ندم على ما صنع وقال لأخته أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤونها آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد ووعدها أن يردّها عليهما إذا قرأها، فلما طمعت أخته في إسلامه، قالت له: يا أخي إنّك نجس، على شركك وإنّه لا يمسّه إلّا المطهّرون. فقام عمر واغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها: { بسم الله الرحمن الرحيم، طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلّا تذكرة لمن يخشى تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العُلى، الرحمن على العرش استوى، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى }[103]
فلما قرأ عمر الآيات المكتوبة في الصحيفة، هدأت ثورته، وذابت حدّته، وسطع أمامه نور المعجزة بما لا يستطيع دفعه وقال لما قرأ ذلك: ( ما أحسن هذا الكلام وأكرمه )[104]
لقد انفعلت نفس عمر بهذا الكلام، كيف لا ؟ وهو العربيّ القرشيّ الّذي يتذوّق العربيّة ويتمايل لسماعها طرباً، وما كان منه إلّا أن قال: ( ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ) وما كان منه إلّا أن ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن – لا ليقتله هذه المرة – ولكن ليعلن إسلامه وليضيف إلى التاريخ حادثاً من أهم الحوادث في تاريخ المعجزة القرآنية.
لما فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلبه للقرآن، دخلت أنواره قلبه وبددت منه ظلمات الكفر فتأثّر بالقرآن وخشع، ورقّ له قلبه، وبكى من التأثّر والخشوع وأعلن إسلامه رضي الله عنه.
ب- أثر القرآن في نفس الطفيل بن عمرو الدوسي:
الطفيل بن عمرو الدوسي شاعر شريف لبيب، صفات تجمع بين الذكاء العقلي الحاد والإحساس الوجداني المرهف إضافة إلى شرف المكانة العالية في قبيلته، فجاء مكة مقابلة رجال من مشركي مكّة وسادتها وحذّروه من السماع من محمد صلى الله عليه وسلم وخشية أن يؤمن به، إلا أن النتيجة كانت على عكس ما رموا إليه وأراده، لأن ما أثر في نفوسهم لابد أن يؤثر في نفس الطفيل وغيره، من كل من عقل كلام العرب وتذوّقه.
يقول الطفيل: كنت رجلاً شاعراًً سيداً في قومي، فقدمت مكّة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل إنّك امرؤ شاعراً، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنّه قد فرّق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء ودينه، فوالله ما زالوا يحدّثوني في شأنه وينهوني عن أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلّا وأنا سادّ أذني، فوضع قطناً سادّاً أذنيه كي لا يسمع القرآن.
ودخل الطفيل إلى المسجد الحرام، فإذا به يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلّي عند الكعبة، فاقتربت منه، وأبى الله إلا أن يسمعه بعض قوله، فسمع كلاماً حسناً فقال في نفسه: والله إن هذا للعجز وإني امرؤ ثبت، ورجل شاعر لبيب، ما تخفى عليّ الأمور حسنها وقبيحها، والله لأتسمّعنّ منه فإن كان الّذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته. فنزعت الكرفس، فلم أسمع كلاماً أحسن من كلام يتكلّم به، فقلت يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن ولا أجمل منه.
ثم انصرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيته وتبعه الطفيل حتى دخل بيته ثم قال له: يا محمد ! إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأخبرته بما قالوا ثم أبى الله إلّا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنّه حقّ فأعرض عليّ دينك، فعرض عليّ الإسلام فأسلمت [105].