فالأخوة في الله دائما يحيطها محبة خالصة لوجه الله، ليس من ورائها مصلحة أو حاجة دنيوية، والإنسان في هذه الأخوة يسعى دائما إلى التقارب مع أخيه المسلم من اجل الوصول إلى ما يرضي الله ورسوله.
أن حبك لأخيك المسلم، في الله، هو نوع من الإيمان، لأنه وسيلة هامة من وسائل اكتساب محبة الله.
وقد حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدحه، حين قال: "إن من عباد الله أناسا، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله.. قالوا: يا رسول فخبرنا : من هم؟ قال : قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فو الله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس".
أما عن سؤالك حول إمكانية أن يكون أخوك في الله أحب إليك من بعض أهلك، فهذا من الممكن أن يتحقق مع أي إنسان إذا أحس بأن أخوه في الله يلازمه بشكل كبير، ويبذل له النصيحة لوجه الله، ويستشعر منه حرصه الدائم على ما ينفعه ويقربه إلى الله تعالى.
ولكن أخي العزيز..
يجب أن تعلم أن محبتك لأخيك المسلم، لا ينبغي أن تكون على حساب أهلك، لأنهم أصحاب حق عليك بحكم صلة الرحم، فإذا كان الإسلام حثنا على الترابط بين أفراد المجتمع ككل، وهو ما يطلق عليه بالأخوة العامة، فإنه أيضا أمرنا بالترابط والمحبة على الجانب الأسري لأن صلة الرحم هي صلة لله تعالى، ومن منا لا يحب أن يكون موصولا بالله عز وجل.
فما أعظمها من نعمة أن تكون لدينا الوسائل والأساليب الإسلامية التي توصلنا إلى القرب من الله تعالى فنتبعها، وما أفظعها من خيبة إذا تركناها ولم نعمل بها .
أخي في الله محمد..
إن المسلم الحق هو الذي يستطيع أن يحقق التوازن بين محبته لإخوانه ومحبته لأهله وأقاربه، لأن الصلة والمحبة هي أساس الحياة، فالحفاظ على محبة الأهل هو حفاظ على صلة الرحم الذي تعهد الله تعالى بذاته العلية أن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها، كما أن محبة الأخوان في الله تكسب الإنسان محبة الله، وعليه فلا غنى لأي مسلم عن أن يحب أخوانه في الله، ويحب أهله وأقاربه، وليترك الأمر بعد ذلك لله، وليس في كون ميل القلب لشخص بعينه لوجه الله شيء لأن ذلك كما قلنا في البداية هو من طبيعة بني البشر.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود قائلا :
شكر الله لأخي الأستاذ صبحي مجاهد جوابه، وليسمح ليّ أن أشاركه الأجر. وبعد :
فإن الحب في الله تعالى أوثق عرى الإيمان، وهو منحة من الله لا يشترى بالمال، قال تعالى في بيان فضله على عباده المتحابين
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وقد جعل الله الحب في الله سببا للنجاة من النار ودخول الجنة، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله، منهم: (رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه).
ولا يجد المرأة حلاوة الإيمان إلا بإحدى ثلاث : إعلاء محبة الله على كل حب، وكراهية العودة للمعصية بعد التوبة الصادقة، وإخلاص الحب لله بين الناس، بحيث لا يرجى من ورائه منفعة دنيوية، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
وحتى يؤتي هذا الحب في الله آثاره وتُجنى ثماره، فإنه حري بمن أخا له في الله أن يبادر إلى إبلاغه بهذا الحب، فقد روى أبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه)، كما أخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر رجل به فقال: يا رسول الله، إني أحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم،: ((أأعلمته))؟ قال: لا، قال: ((أعلمه)). فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له.
وختاما؛
أعتقد انه ليس هناك تعارض بين حبك لأخيك وحبك لأهلك، فكلاهما حب لله، طالما حسن القصد وخلصت النية، أسأل الله تعالى أن يتقبل منك حبك لأخيك، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وألا يجعل فيه لمخلوق ولا لدنيا نصيب، إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وتابعينا بأخبارك
[b][center]